الثقافة كانت هاجسه في حياته الطويلة … إليان كلاس أحد أعمدة نهضة حماة الفنية والأدبية تكرمه نقابة المحامين على رحلته
| د. راتب سكر
المحاماة والرابطة الفنية
كرمت نقابة المحامين في حماة في 20 آذار 2023، عدداً من أعضائها، منهم المحامي المعروف أ. إليان كلاس، الذي عرفته ربوع العاصي منظماً أدبياً وثقافياً ناجحاً، من موقعه رئيساً لمجلس إدارة نادي «الرابطة الفنية» مدة خمسة وعشرين عاماً، (1970-1995)، شهدت نشاطات أدبية وفنية نوعية، مثل إخراج الفنان سمير الحكيم لمسرحية «المدينة المصلوبة» من تأليف الأب الياس زحلاوي، ومسرحية «الأرنب الذئبي» من تأليف د. أيمن أبو الشعر، وأوبريت «القدس في البال» من إعداد وتدريب أ. زكية عشي، ومسرحية «سهرة ديمقراطية على الخشبة» من تأليف وليد إخلاصي… ومثل الأمسيات الشعرية والقصصية، والمحاضرات والندوات الأدبية التي شارك فيها معظم أدباء حماة.
يفتح تكريم المحامي إليان كلاس اليوم، أبواب الذاكرة على مسارات حياته المتنوعة: حقوقياً، ومنظماً ثقافياً، وإنسان قيم ووفاء، عرفَ عطاءه الكثيرون، وكنت واحداً منهم، فسرَّهم هذا التكريم، وتزاحمت عبارة «مباررررك هذا التكريم»، مع استرجاع ذكريات ملونة من رحلة عطائه الطويل مع حياة مزدانة بالصداقات والموَدَّات.
الحقوق والأدب ومعترك الحياة
ولد المحامي إليان كلاس عام 1938، وحاز الابتدائية في حماة عام 1952.
كان في العاشرة من عمره سنة 1948، عندما وقف مع أتراب له على رصيف من أرصفة الشارع الرئيس في حيّه، الذي يشارك أربعة من أبنائه في استعراض حماسي للمتطوعين المدنيين في جيش الإنقاذ، استعدادا للسفر إلى نقطة تجمعهم في دمشق، للانطلاق إلى فلسطين… كان ينظر بعينيه الصغيرتين إلى صفوف الاستعراض، لترتسم الصور المتلاحقة في تكوينه المستقبلي، عهوداً راسخة مع قضيتي: فلسطين والوحدة العربية، التي هلّتْ بشائرها عام 1958، وقد حاز شهادة الدراسة الثانوية في ثانوية أبي الفداء، بعد سنوات من نشاطه الطلابي البارز، فكان يصدر مع مجموعة من زملائه من طلاب تلك الأيام مجلة حائط، ومجلة مدرسية، كما شاركوا في أنشطة متنوعة في بيئة الخمسينيات العامرة بنشاطاتها المتميزة فكرياً وثقافياً.
في السنة الأولى من مرحلة الوحدة السورية المصرية (1958-1961)، أصبح طالباً في كلية الحقوق بجامعة دمشق، وتعززت صلاته مع أعلام النشاطات الأدبية والثقافية في دمشق تلك الأيام، ولاسيما زميله في الكلية الشاعر زهدي خليل، إضافة إلى الأديبين نخلة كلاس، ومحمد الحريري، اللذين تربطه بهما ذكريات ربوع العاصي، وله مع أفراد عائلتيهما، مثل الأديب والموسيقي نعسان الحريري عهود ومودات.
التحق بمساعدة وزير «الشؤون الاجتماعية والعمل» في دولة الوحدة عبد الغني قنوت وقد عرفه سابقاً في حماة، بوظيفة مناسبة يقوم بها – مع دراسته الجامعية – في دوائر الوزارة بساحة المرجة في دمشق، فاكتسب خبرات عملية متصلة بقوانين العمل، ليتابع بعد تخرجه الجامعي، بعمله في مديريتها في حماة، رحلته مع القوانين والحياة، مناصراً بمواقفه ومتابعاته اليومية قضايا العمال والمستضعفين والمهمشين، وحقوقهم.
رعايته للرابطة وأفرادها
سافرتُ في خريفِ سنة (1975) إلى حماة، من «جل الديب» لبنان، مكان إقامتي الطويلة الدائمة منذ طفولتي المبكرة عام (1959)، متجنباً أذى متاريس ارتفعت أكياس رملها، وراحت تنتشر في شوارع جبل لبنان وبيروت، منذرة بشَرٍّ مستطير… وسَرْعان ما تبيَّن أن السفر هذه المرة، يختلف عما سبقه من أسفار ستةَ عَشَرَ عاماً خلتْ، بهدف زيارة الأقرباء في الأعياد، أو تقديم امتحان الشهادة الإعدادية – دراسة حرة، أو دراسة الثانوية بعدها… كنت شديد القلق والتوتر، وسرعان ما وجدت في لقائي الحقوقي المعروف إليان كلاس، حدباً وتفهُّماً ورعايةً خاصة، فصار من المقربين إلى سكينتي وطُمأْنينَتي.
كان رئيساً لنادي «الرابطة الفنية» العريق في حماة، وسرَّه لقاء ابن أحد معارفه القدامى، متنوع الاهتمامات الأدبية والثقافية، فرحَّب به في النادي ونشاطاته.
ميول وتكريمات وعرفان
وذات نهار كنت أتأبط ذراع أستاذي في قسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية د. عز الدين دياب الذي تتلمذتُ له طالباً في جامعة دمشق في السبعينيات، ثمَّ التقيته في قريته بسيرين، وحماة، ودمشق، وأصبحت بعد دورات الأزمنة، زميلاً له في تدريس طلبة ماجستير التراث الشعبي، في القسم نفسه، فأتينا على ذكر اسم صديقنا المشترك القديم اليان كلاس، فأخبرني أن له خصوماً يلومونه، لانحيازه إلى الفقراء ونزعته اليسارية.
دعا نادي «الرابطة الفنية»، إلى حضور حفل مساء 27- 10- 2017 لتكريم المحامي إليان كلاس، الذي شغل مهمة رئيس مجلس الإدارة، مدة طويلة مهمة، امتدت نحو خمسة وعشرين عاماً، من تاريخ النادي، (1970-1995).. وكنت واحداً من المتكلمين في الحفل، فاسترجعت صوراً متنوعة من عملي، بتعاون وثيق معه، في نشاطات النادي الثقافية الجادة منذ خريف 1975، وشغلت مهمة نائب رئيس النادي (1995- 2000) مؤمناً برسالته الثقافية في ربوعنا الغالية، وإذ تكرمه نقابة المحامين في حماة اليوم، أستعيد إلى طاولة الكتابة، بعضاً من تلك الصور التي تحفظ مشاهد من ذاكرتنا الثقافية والاجتماعية.