يعتقد الكثيرون أن الصراع الدائر بين الرئيس الحالي لأميركا جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب هو صراع سياسي على السلطة فقط، إلا أن جوهر الصراع قد يكون أبعد من مجرد تنافس على السلطة بين حزبين.
اذ يرى متابعون أن الصراع الدائر بين الرجلين هو صراع بين تيارين مختلفتين: التيار الليبرالي الجديد «نيوليبرالية» الذي ينتمي إليه بايدن والتيار المحافظ الذي ينتمي إليه دونالد ترامب، والحديث هنا لا يقتصر على السياسة فقط بل يشمل مجالات الحياة كافة، ويعتبر كل تيار فلسفة اجتماعية وسياسية وثقافية مختلفة.
فالليبراليون الجدد يعطون قيمة كبيرة للمساواة والعدالة الاجتماعية على أساس الفردانية المتطرفة والعلمانية المطلقة ونبذ التقاليد والقيم الاجتماعية، ويؤكدون تدخل الدولة من أجل تحقيق هذه الأهداف، على حين يعطي المحافظون قيمة للحرية الفردية الملتزمة بالقيم الأميركية المبنية على التقاليد المسيحية والأخلاق الشمولية، كما يؤمنون بتقييد الحكومة الفدرالية واحترام حقوق الولايات. فمن المحافظون في الولايات المتحدة؟
نشأت السياسة المحافظة في أميركا من النظام الجمهوري الذي رفض الحكومة الأرستقراطية والملكية وأيد استقلال الولايات المتحدة، ويجادل مؤرخون مثل باتريك آليت وراسل كيرك في أن التقليد المحافظ لعب دوراً في الحياة السياسية والثقافية الأميركية منذ عام ١٧٧٦ إلا أنه لم يلعب دوراً أساسياً في الحياة السياسية حتى خمسينيات القرن الماضي.
يعتبر ويليام باكلي جونيور من الذين شرحوا معتقدات المحافظين الأميركيين بشكل واضح حيث كتب في صحيفته «ناشيونال ريفيو» عام ١٩٥٥: «يؤمن المحافظون أن عمل الحكومة المركزية في زمن السلم هو حماية حياة مواطنيها وحريتهم وممتلكاتهم، لأن أي نشطات أخرى للحكومة من شأنها تقليص الحرية وإعاقة التقدم، وفي الصراع الاجتماعي لهذا العصر نحن ضد من يسعون إلى تكييف الجنس البشري مع مثاليات علمية».
ووفقا لبيتر فيريك «تملك السياسة المحافظة الأميركية خصوصية معينة لأنها لم تكن مرتبطة بحكم ملكي أو ارستقراطي إقطاعي أو كنيسة رسمية أو نخبة عسكرية، بل كان المحافظون الأميركيون متجذرون في الجمهورياتية «النظام السياسي الجمهوري» الأميركية التي عارضها الأوروبيون المحافظون»، ويقول سيمور مارتن ليبست إن المحافظين الأميركيين لديهم إيمان «بالتفوق الأميركي على الملكية الرجعية الباردة ونظام المجتمع الأوروبي ذي البنية الصلبة».
تنقسم الحركة المحافظة إلى قسمين هما المحافظون التقليديون والمحافظون الجدد، والتقليديون هم من أنصار الانعزال الأميركي وهم يؤيدون سياسة عدم التدخل الخارجية، وكان من مناصري هذا الفكر الرئيس مونرو ١٨١٧- ١٨٢٥ صاحب المدرسة الانعزالية الشهيرة، على حين يؤمن المحافظون الجدد بضرورة نشر القيم والأخلاق الأميركية في العالم.
ينقسم المحافظون في الفكر الاجتماعي إلى فرعين متداخلين الأول تقليدي والثاني ديني، ويدعم التقليديون بقوة قواعد السلوك التقليدية وخاصة تلك التي يشعرون أنها مهددة من قبل الحداثة، فهم مثلا يعارضون الاستعانة بجنود نساء في المعركة، أما الدينيون فهم يركزون على تنظيم المجتمع كما تحدده سلطة دينية أو قانون، فهم مثلاً من معارضي الإجهاض والمثلية الجنسية ويؤكدون أن أميركا أمة مسيحية.
يؤمن المحافظون بسياسة مالية متحفظة فهم من أنصار التدخل الحكومي المحدود والضرائب المنخفضة لأنها تنتج وظائف أكثر ويضمن الربح للجميع، وهذا ما قام به الرئيس السابق دونالد ترامب عندما طلب من المعامل الأميركية الكبرى العودة والعمل داخل البلاد، إضافة إلى الإنفاق القليل والميزانية المتوازنة.
ربما على الناخب الأميركي أن ينظر إلى الرئاسية القادمة على أنها استفتاء سيقوم به الشعب ليحدد ماذا ستكون عليه صورة أميركا القادمة، هل يريد اقتصاد العولمة أم اقتصاد الاعتماد على النفس؟ وهل يريد نوعاً من الانعزال السياسي؟ أم وجوداً قوياً في أنحاء العالم؟ هل يريد مجتمعاً محافظاً؟ أم مجتمعاً ليبرالي؟