من دفتر الوطن

أحلام السرطان

| حسن م. يوسف

قال جوزيف جوبلز وزير الدعاية النازي: «اكذب، اكذب حتى يصدقك الآخرون. ثم اكذب أكثر، حتى تصدق نفسك».

أحسب أنه ما من أحد في العالم برمته، نفذ (نصيحة) غوبلز هذه وتفوق في استخدامها أكثر من المتعصبين الصهاينة. قبل أيام ظهر وزير المالية الصهيوني بتسلئيل سموتريتش في مؤتمر أقيم في باريس وقال: «لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني» كما صرح في مقابلة تلفزيونية أجريت معه مؤخراً بأنه «مؤمن يعيش على التوراة» وهو يرى أن «مستقبل (إسرائيل) كما هو وارد في كتب حكماء اليهود أن تتوسع حتى دمشق، وهذا ما نطمح إليه باختصار».

أردت أن أعرف أصل وفصل هذا المغالي في تطرفه، وبنتيجة البحث تبين لي أن اسمه الأول توراتي «بتسلئيل» وهو يعني «في ظل الإله إيل» أما كنيته فهي مشتقة من اسم مدينة سموتريتش الأوكرانية، التي عاش أسلافه فيها. وقد هاجر جده يعقوب منها إلى فلسطين قبل الحرب العالمية الثانية عندما كانت تحت الانتداب البريطاني. وهذا يعني أن سموتريتش هذا من أصل أوكراني مثل المدعو فيلمينغ روز محرر جريدة يلاندس بوستن الدانمركية، الذي دبر قضية الرسوم المسيئة للرسول الأعظم.

صحيح أن ما قاله سموتريتش ليس جديداً، فقد سبقته لهذه المقولة رئيسة وزراء الكيان غولدا مائير اليهودية الأوكرانية مثله إذ قالت: «لم يكن هناك شيء اسمه الفلسطينيون». الجديد في الأمر هو أن الجهة المنظمة رسمت على واجهة المنبر مساحتين زرقاوين كما في علم الكيان، بينهما خريطة لا تشمل كامل التراب الفلسطيني وحسب، بل تشمل كل الأردن وغزة ومحافظات دمشق والقنيطرة ودرعا ومساحات شاسعة من شمال غرب السعودية.

يعتمد بتسلئيل سموتريتش وأضرابه في مزاعمهم الخرافية على ما جاء في سفر التكوين الإصحاح الثاني عشر الآية السابعة التي تنص بالحرف الواحد «وَظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ». فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ ولا يحتاج الأمر لكثير من الذكاء كي نكتشف أن الوعد موجه حصراً لنسل إبراهيم، أي أبنائه المولودين من لحمه ودمه، وهذا يعني أن الوعد يشملنا نحن العرب أولاً، لأننا أولاد إسماعيل الابن الأكبر لإبراهيم، ولا يشمل بيغن وبيريز القادمين من بولونيا ولا جولدا مائير المولودة في أوكرانيا ولا شامير القادم من روسيا!

لقد أثبتت الدراسات التاريخية الرصينة المبنية على نتائج التنقيبات الأثرية، «أن (إسرائيل) لم تكن سوى برهة في التاريخ الفلسطيني الطويل» كما جاء في كتاب المؤرخ البريطاني كيث وايت لام: (اختلاق إسرائيل القديمة إسكات التاريخ الفلسطيني) وقد أكد هذا الاستنتاج المؤرخ الأميركي توماس طومسون في كتابه: (الماضي الخرافي التوراة والتاريخ). كما اعترف به أبرز المؤرخين اليهود حتى داخل (إسرائيل).

يزعم بتسلئيل سموتريتش أنه «مؤمن يعيش على التوراة»، لكنه يكذب في زعمه، فقد نص العهد القديم بشكل واضح على أن الأرض كان اسمها فلسطين قبل مجيء إبراهيم جد العرب واليهود إليها. فقد جاء في سفر التكوين «وَتَغَرَّبَ إِبْرَاهِيمُ فِي أَرْضِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ أياماً كَثِيرَةً». كما جاء في مكان آخر من السفر نفسه: «فَقَطَعَا مِيثَاقًا فِي بِئْرِ سَبْعٍ، ثُمَّ قَامَ أَبِيمَالِكُ وَفِيكُولُ رَئِيسُ جَيْشِهِ وَرَجَعَا إلى أَرْضِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ».

التوراة يذكر «أرض الفلسطينيين»! فهل يظن بتسلئيل سموتريتش الأوكراني أن فلسطين كانت قديماً بلا فلسطينيين، كما يحلم هو وأضرابه أن تكون الآن!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن