ثقافة وفن

الليبرالية الجديدة !

| إسماعيل مروة

نسمع مصطلح الليبرالية فيمرّ مروراً دون أن يترك أثراً، ولا نسأل عن معناه وكنهه غالباً، وتمضي الأيام ليصبح المصطلح طي النسيان، وتتوالى المصطلحات التي تدلف إلى حياتنا من الفلسفة والنقد لتصل إلى لبّ الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وربما رسخ هذا المصطلح دون أن ننتبه، ودون أي اكتراث، ليصبح الواقع أصعب من أن تتم مواجهته، سواء من الهجمات الخارجية، أم من التقبل الداخلي الذي وصل حداً لم يعد قابلاً للنقاش أو الرفض، وحياتنا الثقافية والسياسية، بل الأدبية مملوءة بهذه المصطلحات التي تدخل إلينا بين فترة وأخرى، ولا نلتفت إلى التنبيه المستمر الذي يأتينا.. وما يجري اليوم على الساحة الثقافية والسياسية كله يدور في القديم والصراع الأزلي القديم المختلق بين شرائح المجتمع الفكرية، فهذا يعيش المذاهب الإسلامية، وذاك يحيا ويحيي مجمل الصراعات القديمة، وبينما هو في هذا المعترك الفكري الذي مات وانتهى، تكون التيارات الفكرية قد تأصلت، ولم نعد قادرين على مجابهتها بأي شكل من الأشكال، فمع نهاية الحرب الباردة جاءت أفكار (نهاية التاريخ) و(صراع الحضارات) وازدادت مساحة (العولمة)، وبينما كانت هذه الأفكار تتأصل، كان مجتمعنا يعيش صراعات قديمة ليست ذات جدوى مثل الصراع السني والشيعي وكلاهما لم يترك سلاحاً مهما كان قاسياً ومرفوضاً ولم يسمعه ولم يعمل به! وهذا زاد من التقوقع الفكري، وكانت المخططات تجري لمحاربة (الإسلام) العدو الجديد للعالم الليبرالي الذي أنهى خصمه الشيوعي الاشتراكي، وكل متابع يعرف أن ما جرى، ومن خلال أدوات وأحزاب وسلطات هو تعزيز التصلب والتشدد في كل جانب، وهذا مهَّد لكل ما جرى في بلداننا وصولاً إلى (الربيع العربي) المزعوم، والذي يتفاخر كثيرون بمعرفة أسبابه ومصادره، لكن واحداً لم يعمل لمواجهته!

العالم اليوم يتعرض لفكرة أكثر خطورة، وليست ضد المجتمع العربي وحده، بل ضد كل مجتمع يحمل القيم والأفكار والأخلاق وهي فكرة (الليبرالية الجديدة) فالذين يخططون للعالم، ويتابعون النظريات لرسم معالم العالم الجديد وصلوا إلى ما يسمى الليبرالية الجديدة، والتي تحمل خطورة على القيم والأسرة واستمرارية الحياة، والمتابع مطلع على المجابهات في الغرب لهذه الليبرالية التي بدأت تعزز مكانتها من خلال سنّ القوانين في الولايات المتحدة الأميركية، وبعض الولايات رفضتها، ووصلت أوجها خلال الفترة الرئاسية لأوباما، من خلال سنّ القوانين تحت مسمى الحرية الإنسانية، فكانت قوانين الشواذ والمثليين والحرية الجنسية والتحول الجنسي والتحلل الأسري، وغير ذلك مما يخالف الفطرة الإنسانية، ويدمر الحياة الإنسانية القادمة عندما تتحول هذه الأمور إلى ظواهر! وباعتراف الأميركيين والأوروبيين فإن هذه القوانين التي تنتمي إلى الليبرالية الجديدة، وبما فيها من حرية إنهاء الحياة غير السعيدة من الأطفال أخذت طريقها إلى المجتمعات، وانتقلت الحياة ومفهومات الحرية الشخصية والمجتمعية من مستوى إلى مستوى، واستطاعت وسائل التواصل التي يهيمن عليها الأقوياء أن تغيّر من قوانين الحياة، وليس من قوانين اللعبة.. وخطورة هذه الدعوة الجديدة تكمن في أنها تدخل في تكوين العقل الإنساني، وفي المجتمعي، وفي السياسي وبناء الدول، وخلال لقاءات مباشرة أو إعلامية مع أعلى المستويات السياسية في سورية كان الحديث يدور حول مفهوم (الليبرالية الجديدة) وضرورة مواجهتها بأي شكل من الأشكال حفاظاً على المجتمع والإنسان والدول، وبسبب غياب الوعي القرائي يمكن أن يتم التعامل مع هذه التحذيرات على أنها موجة سياسية طارئة، وهي ليست كذلك، ولكن ما استرعى انتباهي من خلال المتابعة ذلك الإصرار المستمر حول خطورة الليبرالية الجديدة من أعلى الهرم السياسي، ولكن وعلى مدى وقت طويل فصل بين كل لقاء وآخر لم نجد أي بادرة ثقافية أو إعلامية جدّية في تعزيز ما يمنع تغلغل أفكار الليبرالية الجديدة في مجتمعنا! فأين البرامج الثقافية المجتمعية التوعوية الباحثة عن تعزيز الهوية والقيم بعيداً عن إنشائية صارت معروفة ومرفوضة؟ وأين فرق البحث الثقافية والاجتماعية التي تقوم على مبادئ رفض الليبرالية الجديدة أو مواجهتها على أقل تقدير، وخاصة في مجتمع سوري عاش مخاضاً مؤلماً في الحرب عليها، وصار وقت بناء الإنسان والقيم على أقل تقدير، ولكن الملاحظ أن المنظومة تقوم بالسير في طريق قديمة هي ذاتها في تعزيز قيم أسهمت في إشعال الحرب قبل أكثر من عقد دون أن نلقي بالاً إلى ما يجب العمل عليه.. والمنظومة الإعلامية والبرامجية ما تزال هي هي، ولم تتقدم خطوة واحدة تجاه اللعبة الخطابية، والدخول في العمق الذي يجعل الإعلام مؤثراً.. ولو بحثنا فسنجد أن الفرصة مواتية ليعود إعلامنا إلى موقع مهم، وخاصة مع تدهور الوضع الإعلامي للكثير من المنابر، وانسياق منابر كثيرة ومنصات لا تحصى تحت ما يسمى تلفزيون الواقع، وبدافع الكسب المادي إلى الترويج لثقافة الليبرالية الجديدة، والتي وصل المشاهد العربي بحسّه وما تبقى من قيم في ذاكرته إلى حالة من النفور منها. هل تبقى دعوة مواجهة الليبرالية الجديدة في مكان عال هرمي لا يصل إليها الذي توكل إليهم مهمة العمل الميداني؟

هل سننتظر حتى تصل حالة الفوضى الجديدة إلى مدى لا يمكن معه أن نفعل شيئاً؟

ألا يمكن استغلال حالة البناء الفكري والاجتماعي للوصول إلى حالة متقدمة وقادرة على المواجهة؟

لا أريد أن أكون متشائماً لأقول: إن ما قام به نوح لصنع سفينته بعين الله لا يصلح اليوم لصنع السفن العظيمة وحاملات الطائرات!

الفكر أولاً.. الآليات ثانياً.. الأدوات ثالثاً..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن