وافقت المؤسسة العامة للتأمين على تجديد عقد التأمين الصحي للمعلمين المتقاعدين منذ أيام، بعد مفاوضات شاقة، أخرت التجديد، شهراً، وجعلت الاستفادة منه في الأول من أيار 2023.
وسر التأخير كامن في سعي مؤسسة التأمين إلى زيادة القسط بالمقارنة مع العام الماضي، ومن المؤسف أنها نجحت في مضاعفته وأكثر، إذ تقرر أن يسدد من يريد التأمين الصحي على نفسه لمدة سنة، 350 ألف ليرة سورية دفعة واحدة….!! (يجب الانتباه إلى أن التأمين الصحي على المعلمين المتقاعدين- اختياري-)، الرقم الجديد صادم دون شك، إذ يعادل رواتب متقاعد لثلاثة أشهر على الأقل.
العلة في الرواتب ذاتها، إذ لم تعد تعني شيئاً مهماً بالمقارنة مع أجور المشافي والمخابر والأشعة وأسعار الأدوية وجلّها مزمنة في حياة المتقاعدين.
ولعل من سيقوى على تسديد هذا المبلغ، سيوفر على نفسه ما يقرب من خمسة ملايين ليرة سورية إذا اضطر إلى المشافي (2000000 ليرة سورية)، وهو مضطر قطعاً إلى الأدوية على الأقل 16 (وصفة) بنسبة تحمل 30 بالمئة وإلى التحاليل والأشعة (2,750000 ليرة سورية).
ويبقى التأمين الصحي للمعلمين المتقاعدين، ميزة كبيرة، لمن يقوى على قسطها الباهظ، يكمن سرها في كثرة عدد المعلمين في سورية، ما يقرب من أربعمئة ألف معلم ومعلمة، ويفرز هذا الرقم عدداً كبيراً من المتقاعدين، خلافاً لباقي النقابات والاتحادات العمالية، والمؤسسات والوزارات….إلخ.
ويتماثل متقاعدو القطاع الخاص مع أترابهم في القطاع العام بالحرمان من الضمان الصحي، على الرغم من ضآلة الراتب التقاعدي، والغلاء الفاحش حالياً في أجور المشافي الخاصة والأشعة والتحاليل المخبرية وأسعار الدواء، ومن المؤسف أن المشافي العامة لم تعد مجانية بالمطلق، وباتت تتقاضى أجوراً عن العمليات الجراحية الكبرى لكنها تبقى أرحم بكثير من المشافي الخاصة ذات الأجور التي تبدو غير معقولة على الإطلاق بالمقارنة مع الرواتب والأجور.
ولم يعد الراتب التقاعدي لأغلب المتقاعدين، يكفي ثمن الأدوية المزمنة التي يعاني منها أغلبهم وأغلبهن، مثل الداء السكري وارتفاع الضغط الشرياني والبروستات للرجال منهم.
أما من يحتاجون لأدوية نوعية للأورام والكلية والغدة الدرقية، ومن يضطرون إلى أدوية تحضرها لهم بعض الصيدليات، فحالهم يرثى لها.
ومن المؤسف أنه لا دراسات ميدانية تشتمل على استبيانات، توضح بدقة آلية تعامل المتقاعدين مع احتياجاتهم الدوائية وسط هذا الغلاء الفاحش، وذاك الضعف المذهل للقوة الشرائية لليرة السورية.
ونفتقر أيضاً لدراسات علمية طبية عن تأثير عدم تمكن المتقاعدين من الحصول على الأدوية المزمنة والعلاج الجراحي في الوقت المناسب على صحتهم، ونسبة وفياتهم لهذه الأسباب.
لم تكن المشكلة حادة كحالها الآن، أي بعد الغلاء الهائل والتدني المذهل للقيمة الشرائية لرواتب وأجور المتقاعدين.
وآنذاك أي قبل عامين، شهدت سورية حراكاً رسمياً باتجاه تبني التأمين الصحي للمتقاعدين.
تحدث وزير المالية عن بوليصة تأمين صحي للمتقاعدين.
وكرر كلامه ذاته مدير عام الإشراف على الهيئة العامة للتأمين.
ثم سكت الجميع عن هذا الموضوع لأسباب مبهمة، ولو تحققت تلك النعمة وقتئذ، لكانت حياة مليون أسرة سورية حالياً -على الأقل- أفضل وأجمل وأقل ألماً ووجعاً.
هل ما يزال هذا الحلم ممكنا….؟ لا يجوز القياس على قسط لعدد محدود من المعلمين المتقاعدين.
الحديث يدور هنا عن مليون متقاعد، ومثلما يقول المثل فإن الحمل على الجماعة خفيف، مليون متقاعد، سيوفرون مبلغاً كبيراً لمؤسسة التأمين، لن تكون معه خاسرة مهما كان قسط التأمين الصحي الإجباري رحيماً.
ويجب أن يكون بهذه الصفة ليحقق جدواه الاجتماعية والإنسانية والصحية والوطنية.