«السرنمة» أو «sleepwalking» باختصار هو مصطلح يعبر عن اضطراب سلوكي يتمثل بالسير أثناء النوم.
كان هذا التعبير هو ما اختاره رئيس وزراء هنغاريا فيكتور أوروبان، لوصف سلوك البلدان الأوروبية تجاه الوضع في أوكرانيا، حيث وصفها بأنها تبدو «كمن يسير أثناء النوم على السطح، تتمايل باستمرار على شفا حربٍ مع روسيا».
لتصريح أوروبان ما يبرره، فالمسؤول الأوروبي يُذكّر بالنقاش ضمن الأروقة الأوروبية قبل نحو عام من الآن، وكيف كان هناك خلاف حول إمكانية إرسال أسلحة فتاكة إلى أوكرانيا، أما اليوم فترسل الدول الأوروبية الدبابات الثقيلة والمدرعات وذخائر اليورانيوم المستنفد، وقد يكون قريباً جداً، وبكل جدية، وفق أوروبان، «مناقشة خيار عبور جنود الدول الحليفة لكييف، للحدود الأوكرانية واقتحام أراضيها».
أوكرانيا، إذا صدق استقراء أوروبان، ستتحول إلى دولة تحت الاحتلال «الناتوي» في زمن لن يكون بعيداً، وهذا الأمر قد لا يكون مستبعداً كخيار غربي، لأن الحرب بالوكالة ضد روسيا، باستخدام الرئيس فلاديمير زيلينسكي ومجموعته، وصلت أو هي في طريقها لأن تصل سريعاً إلى طريق مسدود، فالأوكرانيون عموماً سيحجبون دعمهم قريباً لهذه الحرب الطويلة التي يدفعون وحدهم ثمنهاً من الأرواح والاستقرار والبنى التحتية، وحتى إذا قيض لجيش زيلينسكي أن يحقق انتصارات موضعية، فسيكون ذلك على حساب اهتراء وتصدع مستمر في بنية أوكرانيا كدولة، وانتهائها عملياً كمكان جيد للحياة الآمنة والمزدهرة، على حين أن روسيا، وبغطاء إستراتيجي قائم على امتلاكها الردع النووي المطلق، والذي هو الأقوى في العالم، ستبقى في وضع آمن.
بالاختصار، ومن حيث الجوهر، فإن «المسرح الأوروبي» الذي كان مسرحاً لمواجهة مفترضة أيام الحرب الباردة، هو في طريقه لأن يصبح مسرحاً لمواجهة حقيقية في حرب ليست باردة بالضرورة.
ينجرف الأوروبيون إذاً إلى أن يقبلوا بأن يكونوا ساحةً للصراع الناتوي مع روسيا، مهما كانت وتيرة هذا الصراع، في حين ينعم شريكهم الأميركي بتطبيق ما يسمى بإستراتيجية «الحرب على أراضي الغير – war on other›s land»، وهنا الاثمان الحقيقية التي سيدفعها «الناتو» ستكون من جيب أوروبا وحدها، ومن استقرار دولها وسلامة مواطنيها وجنودها واقتصادها، وهي بدأت فعلاً بدفع الأثمان الاقتصادية والمعيشية القاسية في صورة تضخم وأزمات واحتجاجات، وعبر هجرة الكثير من الشركات الأوروبية إلى الولايات المتحدة، حيث لا توجد، ويا للدهشة، أزمة لا في أسعار حوامل الطاقة ولا في إمداداتها!
تمضي واشنطن في إستراتيجية إضعاف الحليف الأوروبي عبر استخدامه لمواجهة الخصم الروسي في إطار صراع مجهول العواقب على أوروبا والعالم، فالولايات المتحدة تعيد مرة جديدة الاستفادة من موقعها الجيوإستراتيجي بعيداً عن مسرح المواجهة، فيما تخطط لجعل الأطراف الأخرى، خصوماً حلفاء، يخرجون من هذه المواجهة ضعفاء ومستَنزَفين، وتتعزز بالمحصلة عوامل الهيمنة الأميركية على العالم.
في اضطراب «السرنمة» تكون عيون المريض مفتوحة، إلا أن وعيه يبقى غائباً، وتكمن الخطورة في أنه خلال سيره أثناء النوم قد يسقط من حافة أو شرفة أو سطح، والأسوأ أنه ربما قد يرتكب القتل، وربما أيضاً يقدم على الانتحار، وتوصيف الحالة الأوروبية قد لا يختلف عن ذلك من حيث الجوهر.
وبالعودة إلى أوروبان، الذي يغرد خارج سرب السرنمة الأوروبي، فقد حذر سابقاً ألمانيا من أن إرسالها دبابات «ليوبارد 2» إلى زيلينسكي «يقرّب الألمان من المشاركة المباشرة في النزاع»، وها هي دبابات «ليوبارد 2» تصل إلى أوكرانيا في خطوة سوف تزيد من مساحة الانخراط الأوروبي في الصراع، دون أن تزيد من حظوظ زيلينسكي في تجنب الهزيمة.
ذات يوم من الأيام، قال صانع الدولة الألمانية الحديثة وموحدها اوتو فون بسمارك: إن «سر السياسة يكمن في معاهدة جيدة مع روسيا»، أما كيف ضاعت وصفة بسمارك «السرية»، وضاع معها الاستقرار في أوروبا؟ فذاك ما يجب أن يُسأل عنه من فجر أنابيب السيل الشمالي.