قضايا وآراء

دمشق والعرب.. تصحيح للخطأ لا شروط مسبقة

| مازن جبور

يبدو أن عودة العلاقات السورية – العربية قد قطعت شوطاً كبيراً، مع زيارة وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد إلى القاهرة ولقائه نظيره المصري سامح شكري، بعد أسابيع قليلة على زيارة شكري دمشق، وبالترافق مع التقارب السوري – السعودي، بإعلان وزارة الخارجية السعودية وجود مباحثات لإعادة الخدمات القنصلية إلى سفارتها بدمشق، والحديث عن زيارة لوزير الخارجية السعودي إلى دمشق بعد عيد الفطر المبارك.

يظهر الاستعداد العربي لاستعادة العلاقة مع دمشق أن ثمة وعياً سياسياً عربياً تشكل بعدم جدوى العداء مع سورية، وأن عسكرة الأزمة قد فشلت فشلاً ذريعاً ومن ثم لا بد من البحث عن مداخل جديدة لتوافق من نوع جديد يمكّن من استعادة لَبقة وهادئة للعلاقة، وخصوصاً أن تسارع خطا استعادة العرب لعلاقاتهم مع دمشق يعطي مدلولات عن أن ثمة ما أنجز أمنياً وسياسياً واقتصادياً، وهو ما ستكشف عنه الأشهر القادمة.

يبدو أن التقارب بين دمشق والرياض، ليس وليد اللحظة بل مر حوارات مفاوضات ووساطات لأكثر من سنة على الأقل، وكان ممهداً للتقارب بين الرياض وطهران، من منطلق تراجع السعودية عن سياساتها العدائية تجاه سورية وإيران وإدراك خطئها في هذا الخصوص، وبالتالي صار لزاماً عليها التحول نحو سياسات أخرى قائمة على الاحتواء مثلاً، ومن ثم فإن أهداف من قبيل «إسقاط النظام» وإخراج إيران من سورية، لم تعد واقعية، بل سقطت مع تعاظم القدرات السورية على تجاوز الحرب العسكرية والصمود في وجه الحرب الاقتصادية من جهة أخرى، فالوضع في سورية وحولها لم يعد اليوم كما كان عليه قبل عدة سنوات.

إذاً، ثمة انفتاح إقليمي على دمشق، بدءاً من الإمارات العربية المتحدة والأردن وصولاً إلى مصر والسعودية، ترافق مع طلب تركيا استعادة علاقاتها بدمشق، إذ تبدو أنقرة أكثر حماسة من القاهرة والرياض للتطبيع واستئناف العلاقات، وهنا قد تكون دمشق استفادت من التناقض في موقف الحلفاء وحتى الخصوم على أرضها وحولها، إذ زادت الضغوط على موسكو من أجل تحقيق خرق مع النظام التركي في سورية، ومن ثم نقل محادثات التطبيع بين دمشق وأنقرة إلى المستوى السياسي، من خلال استضافة اجتماع معاوني وزراء خارجية سورية وروسيا وتركيا وإيران، وهو ما قد يكون حرّض القاهرة والرياض على الإسراع في استعادة العلاقة مع دمشق وسط انشغالات واشنطن وترددها في حسم موقفها حيال الكثير من قضايا المنطقة والعالم.

كذلك فإن الوساطة الصينية الناجحة بين الرياض وطهران، قد فتحت أبواب الإقليم على معادلات جديدة، فهي من جهة تؤشر إلى دخول المنطقة عصر التعددية القطبية وسط بروز قوى إقليمية وعالمية جديدة في المنطقة، وتراجع نفوذ قوى عالمية أخرى، وهو ما قد يتمخض عنه ولادة منظومة إقليمية جديد للأمن والتعاون في المنطقة، ومن ثم ولادة منظومة اقتصادية جديدة، وإن كانت شروط ذلك غير محققة حتى الآن، إلا أن التطورات التي تضج بها المنطقة تبدو واعدة في هذا الخصوص.

وفي هذا الشأن، يمكن القول: إن العلاقات الجيدة بين دمشق ودول الإقليم وعلى رأسها أنقرة وطهران هي حاجة للرياض والقاهرة وغيرها من الدول العربية، مثلما أنها حاجة إيرانية تركية أيضاً، فدمشق مثلت سابقاً حالة التوازن للكثير من قضايا المنطقة والإقليم الحرجة، وهي ما تزال تتمتع بالقدرة على ضبط الكثير من عوامل التوتر فيهما، ومن ثم على القاهرة والرياض النظر إلى استعادة علاقتهم بدمشق من منطلق الندية والمصلحة القومية العليا، وأن ينظروا بعين الجدية والعقلانية، إلى أنه ما عطّل التقارب السوري – التركي حتى الآن، هو المراوغة ومحاولة أنقرة التهرب من تنفيذ شروط دمشق المحقة، وأولها الانسحاب من الأراضي السورية المحتلة ووقف دعم التنظيمات المسلحة، وبالتالي فإن أي مقاربة سياسية للأزمة السورية سيكون مصيرها الفشل ما لم تنجح في تحويل من كانوا سبباً في المشكلة إلى سبب للحل وعامل محفّز عليه، على أن تفهم مطالب دمشق بأنها تصحيح للخطأ القائم لا شروط مسبقة لاستعادة العلاقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن