ثقافة وفن

بين التنويع والنمطية… ومحاولة الخروج من الفخ … تكرار الشخصية هل يعتبر مراهنة تحتمل النجاح والفشل أم إنه نجاح مضمون بشكل مسبق؟!

| مصعب أيوب

تشهد الدراما السورية مؤخراً تطوراً لافتاً في عدد الإنتاجات الدرامية كماً ونوعاً، وهو تحسن عزّزه ارتفاع عدد منصات التواصل وقنوات البث عبر شبكة الإنترنت وكذلك المحطات التي باتت تتنافس فيما بينها على إنتاج مسلسلات تشدّ أكبر عدد من المشاهدين وتجذب أكثر ما يمكن من المتابعين ورغم ذلك بقي قسم كبير من هذه الأعمال موسمياً مرتبطاً أساساً بشهر الصيام.

يُلاحظ في بعض الأحيان تقمص بعض الممثلين لأدوار لا نكاد نراهم في غيرها، أو لا نتوقع نجاحهم من دونها، بل هي أدوار باتت تمنح لممثلين دون سواهم. فهل هو خيار الممثلين أم المخرجين؟

ظلت الأدوار النمطية المصاحبة لمسيرة بعض الممثلين علامة بارزة في الدراما السورية.

سلطة ونفوذ

ما الذي يدفع الممثل إلى تقديم الشخصية ذاتها في أعمال منفصلة مثلما حدث مؤخراً عندما أسند للفنان أسامة الروماني دور الرجل الثري وصاحب النفوذ والسلطة واليد الطائلة هنا وهناك في عدة أعمال ضمن موسم واحد، فها هو في مسلسل الكرزون يؤدي شخصية عدنان بيك المتخفي عن ابنته وكذلك الحال أيضاً في مسلسل صبايا فليكس فهو والد نور «ديمة بياعة» الغني المتزوج من امرأة تصغره سناً وهو في خريف العمر يقدم نفسه لجمهوره أيضاً بالشخصية ذاتها وهو أب لثلاثة أبناء وهم طارق وسمر ورائد، أما في مسلسل مربى العز فربما الأمر يختلف بعض الشيء فهو زعيم حارة وعنده الكثير من المال إلا أنه يواظب على تقديم أي مساعدة تسهم في شفاء ابنه الذي يعاني مرضاً عضالاً.

شرير دائماً

كذلك الحال بالنسبة للفنان ليث المفتي الذي لا يمل من تأدية أدوار الشر ويبرع في إيصالها للجمهور ويجعله يكره هذه الشخصية لشدة إتقانه للدور وكأنه قد صمم خصيصاً له، ففي مسلسل الكرزون يؤدي المفتي شخصية ربيع الذي يعمل لمصلحة أحد أصحاب النفوذ ولديه مخططات شيطانية ويسعى لتحقيق المنفعة المادية ولو كلف الأمر القتل أو الخطف والتعذيب وهذا ليس غريباً عليه فقد شاهدناه سابقاً في كثير من الأعمال بالقالب ذاته فقد سجل حضوره العام المنصرم في مسلسل كسر عضم بشخصية مناف الذي يعمل لمصلحة رجل ذي سلطة ونفوذ وصاحب أعمال غير شرعية «هو ذاته الفنان أسامة الروماني» وهو بمنزلة يده اليمنى ويقضي كل أموره وتودي به هذه العلاقة في نهاية الأمر ليصبح مقتولاً.

وأظن معظمنا يذكر دوره في مسلسل أسياد المال بشخصية فاضل التي هي عضو من أعضاء عصابة تقوم بسرقة أحد البنوك وتخوض هذه العصابة على طول حلقات المسلسل الكثير من الصراعات بين رجال الأمن من جهة وبين المدنيين من جهة أخرى في محاولة للفرار وتجنب الوقوع بين يدي العدالة.

الشيخ عبد العليم

الرغبة في الحضور الدائم على الشاشة ربما يشكل دافعاً لبعض النجوم إلى تكرار الأدوار أو ربما بسبب ضائقة مادية فالتمثيل في نهاية الأمر مهنة يقتات منها أصحابها، الممثل علي عادل المعروف بشخصية الشيخ عبد العليم في مسلسل باب الحارة يصر على عدم نيّته خلع هذه العباءة والمضي قدماً بصحبتها حتى آخر مشاركة درامية له ففي مربى العز يؤدي دور الشيخ كعادته وهو الذي أخلفَ هذه المهنة لابنه الشيخ مالك التي يؤدي شخصيتها الفنان عباس النوري لنجده ضمن هذا الدور للمرة الأولى بعد أن عرفه الجمهور بشخصية أبو عصام الحكيم في باب الحارة.

يسود الدراما السورية نوع من النمطية السيئة فعندما ينجح ممثل في أداء شخصية معينة يستعينون به لأداء الشخصية نفسها في عمل آخر إذ يتجه معظم المخرجين نحو الأسهل والأضمن.

في السينما المصرية رأينا محمد سعد الذي اشتهر بشخصية «اللمبي» حقق نجاحاً منقطع النظير في عدة أفلام «بالكاركتر» ذاته وهو ما جعل مهمة تخطيه لهذه الشخصية أمراً معقداً وصار من غير الممكن أن يتقبله جمهوره مؤدياً دوراً بعيداً عن ذلك.

فهل يعتبر هذا التكرار مجازفة يخوض غمارها الممثل أم إنه نجاح محقق تضمنه شركة الإنتاج والمخرج؟

موهبة التقمص

فنانون آخرون قرروا التنويع في أدوارهم وتقمص شخصيات جديدة وحاولوا تجنب الوقوع في الفخ نفسه الذي وقع فيه غيرهم ومن أمثلتهم الفنان محمود نصر الذي يطل هذا العام في مسلسل مربى العز مؤدياً دور شاب ظلمته الحياة والظروف القاسية وعاش طفولته لا يعرف إذا كان له أهل أم لا وهو ما جعل منه رجلاً قوياً يتحلى بالكرامة والشهامة والمبادئ والقيم الحميدة صاحب إرادة صلبة وقلب قوي.

أما سابقاً، فقد أدى بطل مسلسل الندم شخصية الدكتور أدهم في المسلسل المصري ٦٠ دقيقة أبدى فيه براعة في الأداء وصلت حد الخوض في تفاصيل دقيقة انعكست من خلال تعابير وجهه وحركات اليدين وتجلى إبداعه في الدور بنطقه اللهجة المصرية بأسلوب متقن خاصة في الانفعال.

كذلك، وقد أدى دوره باحتراف في مسلسل دفعة بيروت بشخصية مشعل عبد الحق مجسداً دور شاب لأب سوري وأم كويتية يقيم في لبنان حيث ظهر بشارب عريض وكثيف وملابس تعود لفترة الستينيات ولفت الجمهور إلى طريقة أدائه التي تميل للشعبية، كما تنوعت أدواره في عدة أعمال خلال مواسم مختلفة تجلت في مسلسلات «الشك» و«دانتيل» و«قناديل العشاق» و«الإخوة» و«العراب».

تنوع وتجدد

الفنان خالد القيش يصر دائماً على مفاجأة جمهوره، فقلما نجده في الشخصية ذاتها بأكثر من عمل، هو ضابط الأمن الشاب الذي يستقصي الحقائق في كسر عضم بشخصية الرائد مروان، في حين كان رجل أمن ستينياً يخوض الكثير من الصراعات مع مجموعة من رجال الأمن في قضايا فساد شائكة وكثيرة في مسلسل دقيقة صمت.

أما في رمضان هذا العام فقد لفت القيش الأنظار إليه منذ الحلقات الأولى نتيجة براعته في تقديم الشخصية ورسم مفردات أدائها بصورة مميزة بعد ظهوره بشخصية جمول الرجل الشرير الذي يقوم بأعمال خارجة عن العرف والعادات وربما غير شرعية في سبيل تحصيل المال بالإضافة لتسخيره عدد من الأطفال اللقطاء أو الذين يخطفهم ويوكل إليهم مهمة التسول وإعطائه المال وهو ذو مظهر بشع بحواجب كثيفة وعريضة وأسنان بارزة ولحية مبعثرة وعشوائية وخامة صوت مرعبة بعض الشيء.

في الوقت ذاته يجسد القيش شخصية غازي بيك في مسلسل البيئة الشامية حارة القبة بموسمه الثالث وغازي بيك رجل صاحب أفكار توسعية ومريض نفسي يسعى للاستحواذ على كل شيء في محاولاته الدائمة وراء الكرسي من دون اكتراث لأحد وهو ما يجعله يخوض في كثير من الخلافات والصراعات أولها مع صهره زوج أخته.

المرة الأولى

لا بد أن عدداً كبيراً يعرف جيداً شخصية المساعد أدهم المعروف بـ«أبو نادر» في مسلسل ضيعة ضايعة الكوميدي التي أداها الفنان جرجس جبارة حيث اعتاده الجمهور بقالب الكوميديا وهو نوع من الشخصيات يفضله جبارة في أغلب أعماله نظراً لروح الفكاهة التي يختزنها بداخله، لكن المخرجة رشا شربتجي كان لها رأي آخر فجعلته هذا العام يوجد في مسلسل مربى العز بشخصية أبو سلمى وهو زعيم حارة العسلية الذي يأخذ بثأر الشيخ عبد الجليل ويحاول حفظ كرامة أهل حارته وهذا القالب الذي ربما يشاهده فيه محبوه للمرة الأولى.

الفنان الموهوب لابد أن يقدم جميع أنواع التمثيل، ويقدم التراجيدي والكوميدي، فهذا التنوع ينم عن موهبة الممثل في الخروج من شخصية لأخرى، ولا يحبس نفسه في شخصية واحدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن