من دفتر الوطن

انفصام..درامي!

| فراس عزيز ديب

غالباً مايربط علم النفس بين فكرة الأسطورة و الرغبة

بتحقيقِ الأحلام الدفينة، فالنفس البشرية المتعطشة لإنجازٍ ما غالباً ماتراه في الأساطير التي لادليل مادي على حدوثها و التي تجسد تلك الأحلام، إن كانت شخصيات خلقها إبداع أدبي أو أحداث شكلت حبكة لأسطورة ما، فتراها تكرِّر تلكَ الأساطير، تستمتع بسماعها لأنها تغطي مالديها من عقدِ نقص.

من المفيد هنا التمييز بين الأسطورة التي لادليل مادي على وجودها أو حدوثها و الشخصية التاريخية التي امتلكنا دليلاً على وجودها، بمعزلٍ عما يحاك حولها من أكاذيب أو أساطير بما فيها مجموعة الأكاذيب التي تساهم بتبييض تاريخها الدموي أو سلوكها الإنساني، لكن الرابط المشترك بين الاتجاهين أن كلاهما يفتحان الباب واسعاً للكثير من الروايات والقصص والاقتباسات التي قد تكون قمة في الإبداع، لكن لماذا كل هذه المقدمة؟

ببساطة و كما رمضان من كل عام منذ بدء الحرب على سورية لم أتابع أي نوع من أنواع الدراما، لكن مالفت

نظري هو كثرة حديث الأصدقاء بما فيها المنشورات الفيسبوكية التي تمتدح مسلسل «عاصي الزند»، من الواضح فعلياً أن المسلسل اكتسح الموسم الرمضاني من دونِ منازع، لست هنا لأقيم العمل فلستُ من أصحاب الاختصاص، لكن ما أريد تقييمه هنا هي ردات الفعل التي بدَت متناقضة في تفصيلٍ هام، ففي السابق كان هناك الكثير من المسلسلات التي اكتسحت المواسم الرمضانية من دون منازع، «خان الحرير»، «ليالي الصالحية» وصولاً إلى «باب الحارة»، كل هذه الأعمال من دون استثناء رغم الكثير من رسائل الأصالة والانتماء للجذور التي كانت تقدمها لكنها كانت عرضة للانتقادات والاتهامات بأنها تشوه صورتنا كسوريين وتظهرنا بتخلفٍ غير مسبوق، أو تسيء لتاريخنا مع العلم أن «باب الحارة» مثلاً لم يتحدث عن شخصية تاريخية بعينها، لم يقل أبداً بأن الشام كلها كانت صورة عن «حارة الضبع»، اليوم تتشابه الكثير من المعطيات بين مايتم عرضه في هذا العمل وما تم عرضه في الأعمال السابقة من قصص متخيلة وشخصيات أنتجها الورق لا التاريخ، الاختلاف فقط هو في البيئة فلماذا لم يلقَ المسلسل أي اعتراضات؟

هناك من سيتذرع بصورة المرأة مثلاً في كلا العملين

كما أتحفنا البعض، لكن هذا التذرع منقوص لأن مسلسل «الثريا» مثلاً قدم صورة راقية للمرأة الريفية الحلبية كما هي غير منغلقة ولا يجري التعامل معها من «خلفِ ستار» كما أن أي عمل درامي لايمكن له اختصارَ آليات التعاطي مع المرأة في منطقة ما تحدياً مع اختلاف الثقافات حتى في المنطقة الواحدة، إذن أينَ المشكلة؟

المشكلة ببساطة هي بالعاطفة التي تدفع المتلقي نحو تبني هذا والتصويب على ذاك حتى عندما تتشابه المعطيات، شخصية افتراضية تمتلك قوة هوليودية هناك من يظنها تختصر تاريخاً من هذا الشعب، ربما هو الجوع لأسطورة تحقق مالدينا من أحلام لا أكثر.

في الخلاصة: دعكم من هذه المشاحنات غير المجدية وغير المنطقية وفكروا أولاً وأخيراً أن الأساس الذي يبنى عليه أي عمل..التسويق والمال وما تبقى من شعارات لا وجود له إلا بذاكرتكم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن