ثمة حديث يتم تداوله بعد كل تغيير أو تعديل أو إعفاء لأحد المسؤولين في المؤسسات الحكومية بمختلف مستوياتها وتعدد المناصب الموجودة فيها هو: هل هناك مساءلة بعد الإعفاء أو الإقالة؟ ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك: كيف جاء هذا المسؤول إلى المنصب وتبين فيما بعد أنه فاشل أو متورط أو يفتقر إلى الحد الأدنى من ملامح ومقومات الشخصية الإدارية؟ وأكثر من ذلك لا نعرف لماذا وكيف ذهب؟
الأمر بطبيعة الحال لا يرتبط بوقائع معينة أو أشخاص محددين وإنما أبعد وأشمل من ذلك لأنه يتصل بقياس أداء الأجهزة الحكومية ومؤشرات أداء الأجهزة العامة وقياس رضا المواطنين عن الخدمات الحكومية، ولعل التساؤلات والأحاديث التي تعقب أي تغيير أو إعفاء هي نتيجة طبيعية لغياب المعايير في ظل غياب الأهداف القابلة للقياس ولاسيما أنه في مقدمة المبادئ العامة الأساسية لتطوير العمل في أي مؤسسة مبدأ العقاب والثواب من خلال وجود وحدة القياس والتقويم الدوري لأداء كل موظف وكل مسؤول وتحديد وتطبيق المعايير الرقابية أو معايير الأداء وقياس الأداء الفعلي، أي قياس نتائج الأعمال وتصحيح الأخطاء في الوقت المناسب وأيضاً مدى الارتقاء بالمهام والمسؤوليات والتخلص من ثقافة الركود والعمل باتجاه الإصلاح والتطوير الذي يضمن زيادة المنافع المادية والاجتماعية للفرد والمجتمع معاً، وبالتالي من خلال القياس يذهب الثواب والثناء بشكل طبيعي إلى الشخص الذي يعكس بمواصفاته ومؤهلاته أنه يتمتع بروح الفريق الواحد ولا يعيش أخلاقيات مزدوجة إحداها في حياته العامة الشخصية والأخرى في العمل فالأخلاقيات الشخصية لابد أن تتطابق مع الأخلاقيات القيادية والإدارية وينغمس في القضايا العامة.
إلا أن الصورة النمطية لقياس الأداء لم تتجاوز بعد الاهتمام بتطبيق الإجراءات في حين يفترض أن تركز على الالتزام بمتابعة وتنفيذ تلك الإجراءات. ولذلك في ظل غياب الشفافية في التقييم والمساءلة نجد أن الإدارة تتبنى ازدواجية في القياس فهناك قياس داخلي تعتمد الإدارة فيه على الحقائق وقياس خارجي تقدم الإدارة فيه صورة غير واقعية لتضليل القياس الحقيقي.
عموماً فإن إعفاءات كثيرة طالت خلال سنوات مضت عدداً من المسؤولين من دون أن يخضعوا للمحاسبة حيث أعفي أكثر من مدير ومدير عام ووزير من دون أن يظهر لاحقاً ما يفيد بمحاسبتهم وغالباً ما يتم الاكتفاء بإعفائهم من مسؤولياتهم وإلحاقهم بالإدارات المركزية أو الوزارات المختصة ويستمرون في حياتهم الوظيفية وكأن شيئاً لم يكن الأمر الذي يشجع على مزيد من الفساد من خلال الإفلات من العقاب. الأخطر من ذلك عندما تتسع دائرة الشائعات والتأويلات حول الأسباب التي تحول دون تقديم مثل هؤلاء المسؤولين للمحاسبة أنه في أغلب الأحيان يتم الاكتفاء بتقديم أكباش فداء حتى لا تمضي المحاسبة إلى نهايتها وتصل إلى فئة أخرى في منظومة الفساد يطلق عليها حُماة الفساد، وثمة من يرى أن هناك شعوراً عاماً بوجود بيئة حاضنة للفساد وهذا بحد ذاته يشكل مبرراً لاستمرار الفساد أما خلاصة القول فهي: إن كشف الفساد ومحاسبة الفاسدين لا يضعف مؤسسات الدولة بل يقوّيها ويعزز مصداقيتها.