ثقافة وفن

إنما يخشى الله من عباده العلماء..

| إسماعيل مروة

من النماذج المؤلمة، والتي لا تملك أي نوع من الطرافة، لأنها مصدر مؤلم لحياتنا بكل مستوى، تلك النماذج التي نراها كل يوم في مسيرتنا، وهي تتمتع بمكانة علمية أو وظيفية، ونجد أنفسنا نجاملها بكل الألقاب الممكنة ونحن ندرك أنها ليست كذلك! والمشكلة في أننا نحن نقوم بتعزيز هذه الطبقة الطحلبية، ومن ثم نبدأ الشكوى عندما نقع تحت سطوتها! ولعل الجانب الاجتماعي في وسائل التواصل الذي يحمل إيجابية يتمثل في الكشف عن خبيئة هؤلاء الذين يحملون سمات مجتمعية وعلمية وسلطوية! فواحدهم يتحدث عن الوطنية، ويتكلم عن نبذ الطائفية، وكل ما يمارسه هو في جوهر الطائفية، بل في الجانب السلبي منها! وهو نفسه ينادي بالابتعاد عن العشائرية والقبلية والمناطقية، وفي الوقت نفسه يفعل كل ما يجعله منغمساً في عشائريته وقبليته ومناطقيته حتى لا يكاد يظهر! وينفذ كل ما تمليه عليه مشاعره الضيقة هذه، ومع ذلك يبقى المراقبون يأملون فيه خيراً! وكلما فعل فعلاً من هذا القبيل يغزوك برسائل إلكترونية تتحدث عن الوطن والانتماء ونبذ كل شيء عداها! فهو يطلب من الجميع ألا يفعل، وكل ما يقوم به ليس أكثر من تعزيز على حساب الآخرين! ومع ذلك يطلب من الناس أن يقفوا احتراماً له ولعلمه ومكانته..! بلغ من العمر عتياً، ويتظاهر بالزهد، ويردد عليك قول الشاعر: (إن الثمانين وبلغتها) وحين تحدثه يقترب بوجهه منك ليسمع ما تقوله له وربما جمع كفه على أذنه ليجمع الصوت ويعرف ما تقول، ومع ذلك لا يترك مهمة أو وظيفة إلا ويخصّ نفسه بها، متناسياً أن طابور الشباب والخبرات يقف بانتظار أن يأخذ مكانته في العمل! لكن خبراته- ما شاء الله كان- القادرة على القصّ واللصق وإعادة تدوير الكلام والأفكار تجعله ولاداً، وربما كان قادراً على تقديم عشرات الكتب في اليوم الواحد، والويل لمن يقف أمامه أو يريد مشاركته!

ويحدثك عن العمق في طرح الأفكار، وتراه كحاطب ليل يجمع ما تناثر ويقوم بإرساله أو كتابته دون أي نوع من التثبت، والطريف أنه يرسل رسائل فيها من الخفة وربما تصل إلى درجة السطحية والسذاجة، وحين تستعرض هذه الرسائل، فإنك ستجدها أبعد ما تكون عنه وعن ممارساته وأخلاقه وحياته! وكأنه يستغبي الناس جميعاً! يتظاهر بالزهد ونظافة اليد، وربما بالكرم والجود، وكل ذلك أبعد ما يكون عنه! أقل ما يقال بأن هذا الشخص وأمثاله يقفون وراء الكوارث التي حصلت في سورية ودمّرت إنسانها وحضارتها ومقدراتها، ولكنه يعطي المواعظ، ويحاول دوماً أن يشرح ما جرى من وجهة نظره، ليظهر أنه كبير الكهنة! ولا يعنيني انتماؤه، فأنا لا أتحدث عن شخص، وإنما أتحدث عن قيمة ونموذج ينتشر كما الجراد في سورية اليوم، وعن كل طيف من الأطياف، وكل واحد منهم يمارس فن الإقصاء والاستحواذ، ويدّعي أنه الصحيح، وأنه الطاهر كما هو الشاش الذي يغطي الجراح، ولا يدري أن جراح سورية اليوم وآلامها أطهر من كل أنواع البياض، وتملك القدرة على فضح الزيف الغريب أن كل من حول مثل هذه الشخصيات يحلف بحياتهم، ويشيد بهم، ولا يدرك ما يملكون حتى يقع تحت التجربة، ولكن بعد أن يصبح داخل اللعبة لا يملك إلا أن يتذمر من بعيد، ويتحدث حديث الخديعة! المثل العامي يقول: (كلاب الصيد معروفة إلها ذناب معكوفة) ولم نعرف، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول (لست بالخبّ ولا الخب يخدعني) ولم نمتثل!! وما نزال نحكم على كلمة شاردة من هذا وذاك، وننسى كل شيء، فلا ذاكرة لنا، وربما حكمنا بالصلاح والجود على من لا يملك شيئاً منهما، وربما حكمنا على آخر عكس ذلك، وهو أكثر حباً للإنسان ممن لبس مسوح الصلاح والتقى والعلم…. فماذا يقول من يدعو للكرم ويدعو نفسه بأبي كريم، ولو أدركه الجاحظ لكان مثاله الأول؟ وماذا يقول من يدعو للعلم، وهو لا يجيد قراءة الآية: (إنما يخشى الله من عباده العلماء)؟!

لابد من توافق وتصالح، وعلى أقل تقدير مع مستقبل لأولادنا وأحفادنا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن