ثقافة وفن

التقمّص للشخصيات وتوظيف الخبرات الفنية … أدوار الشرّ في دراما رمضان 2023 ومساحات واسعة

| مصعب أيوب

فن التمثيل فطرة ولدت مع ولادة البشر وتطورت معهم يستخدمها الصغار قبل الكبار في التقليد ومحاولة التعبير عن أنفسهم بالبوح والإشارة وما إلى ذلك فهم يحاولون التعرف للأشياء من خلال تمثيلها وتجريبها، وهو فن الإتقان والمهارة سواء كان فعلاً أم أداء أو تقمصاً، وعندما يقدم الممثل أداء متماسكاً لا بد أن يكون ذلك نابعاً من دراسة أكاديمية معمقة متفهمة لكل عناصر التمثيل ونظرياته.

ظلم وجبروت

الممثل المجتهد هو الذي يضيف أفعالاً بشرية ويولد مشاعر إنسانية من سلوكيات وتصرفات وردود أفعال وحتى حركات اليدين ونظرات العينين والانفعالات باستخدام مهاراته الفنية، تماماً كما يفعل الفنان أيمن زيدان في شخصية أبو نذير في زقاق الجن مؤدياً دور الجد والأب الظالم القاسي المتجبر الذي لا يرحم صغيراً ولا كبيراً، فن التمثيل لديه لا يعتمد على الرشاقة والبنية البدنية والاستعراض بل يعتمد على الروح والإحساس والخيال وخفايا النفس البشرية، هو حالة تمثيلية فريدة، ينسلخ عن ذاته ويتقمص الشخصية بكل خصائصها ومميزاتها وشرها.

يصر الجد أبو نذير على إبعاد حفيدته عن حفيده الآخر وعرقلة زواجهم لمجرد أن زوج ابنته عارضه في أمر ما في الماضي وهو ما يضطرهم لاحقاً لمحاولة اللقاء سراً فيُكشف أمرهم لاحقاً فيصر أبو نذير على قتل حفيدته وتطهير عار العائلة في الحلقة 14 التي لاقت إشادة كبيرة من المشاهدين بأداء زيدان وبراعته وتقمصه للشخصية وتوظيفه كل خبرته على مر السنين لخدمة المشهد الذي وصفه كثيرون بأنه متقن بشكل احترافي، كما أنه لا يفسح المجال لأي فرد في العائلة للتعبير عن رأيه أو اعتراض أوامره وإن فكر أحدهم بذلك فالويل كل الويل له، وحدها «شكران مرتجى» زوجة ابنه أبو تيسير «شادي زيدان» تحاول دائماً التمرد عليه في سبيل النجاة لها ولأولادها والعيش بهناء وراحة بال.

ملامحه تكسوها جدية صارمة، يعرف كيفية استخدام صوته وجسمه للغرض من النص لتجسيد الآثار التي يريدها.. الحقد والغضب والجبروت… يعبر عن ذلك من خلال مهارة الخيال والتنوع، فهو يجيد اختيار الموقف والانفعال المناسب لكل مشهد.

دراسة معمقة

الممثل يدرس الشخصية جيداً ويستقصي عنها فيشكل نمطاً إنسانياً لا حدود له، الفنان فايز قزق الذي احترف التمثيل السينمائي والتلفزيوني يقدم شخصية إدريس في مسلسل الزند وهي شخصية شريرة تعمل لمصلحة أحد الإقطاعيين ويقوم بتحصيل الضرائب والأتاوات من الفلاحين لمصلحة الباشا، وفي الحلقة الأولى يقتل والد عاصي لينتقم عاصي لوالده بأن يفقأ عينه من ثم يلوذ بالهرب لمكان بعيد، وبعد مرور عدة سنوات وانتهاء عاصي من خدمته العسكرية يعود للقرية ليجد رجال الباشا قد سطوا على أرض والده ويضطر للخوض في صراعات عدة ليستعيد أرضه ويرفع الظلم عنه وعن أهل قريته، ومع مرور الوقت تعود شخصية إدريس للظهور مجدداً وتكون الشخصية الندية التي تخوض عدة صراعات مع عاصي الزند، ويأمر الباشا بصرف مكافأة مالية لمن يأتي بعاصي أو يقتله فيأخذ فرعون ابن إدريس على عاتقه مهمة قتل عاصي وهو الأمر الذي يودي بحياته لاحقاً ليتجدد النزاع بين عاصي وإدريس، فيلتحم قزق بالدور ويسخر كل إمكاناته لخدمة النص كي يجعلك تكرهه بشدة بنظراته الحادة.

هو ممثل مثقف وواع استمد ثقافته من مدارس الفن على مدار ستة عقود، حقيقي وصادق ومقنع قادر على عدوى المشاهدين بمشاعره، فالتمثيل عنده طريقة للوصول إلى خبايا النفس الإنسانية الدفينة فيترجم أفكار وأحاسيس الكاتب بحركات جسده ويديه ومشيته وطريقة كلامه وتعامله مع خصمه.

متلون كالحرباء

العديد من الشّخصيّات تحتاج لتغيير شكل الممثل كاملاً لكنها لن تكون عائقاً في وجهه فإن التقمص أقرب المفاهيم عن التمثيل بالنسبة له في رحلته للغوص بين مسام جلد الشخصية التي يؤديها معتمداً في ذلك على خبرته الحياتية وما شاهد وسمع وخزّن في ذاكرته.

هو «جمّول» صاحب الحاجبين العريضين الكثيفين واللحية المبعثرة بشكل عشوائي الذي يتخذ من الأطفال مصدراً لجني الأموال فيقوم بخطفهم من أمهاتهم ويسخرهم لخدمته ويأمرهم بالتسول وجمع الأموال، يضعهم في مكان بعيد عن أعين الناس لا يصله أحد ويرسلهم بشكل يومي لممارسة مهنة التسول وهو يكنز المال على حين أن أهل هؤلاء الأطفال يعيشون في تخبط كبير في حيرة من أمرهم فلا يعرفون إن كان ابنهم قد مات أم أنه حي ومن الممكن أن يجمعهم القدر به يوماً.

فهو لا يكتفي بقبول الدور كما هو مرسوم في النص وإنما يحلل الشخصية ويحاول اكتشاف معالمها وثقافتها ورغباتها وحياتها بكل تفاصيلها وطريقة كلامها وحركاتها ونوعية الملابس التي ترتديها.

في الوقت ذاته يحافظ خالد القيش على وسامته الواقعية ويستكمل مشاهده في شخصية «غازي بيك» في حارة القبة 3 الذي يعاني من مرض نفسي يجعله شديد الإلحاح للحصول على المال وبسط النفوذ وتحقيق مكاسب مادية ومعنوية في كل محفل وهو الأمر الذي يضعه في عدة صراعات مع صهره أبو العز «عباس النوري» ولسبب ما يختفي فارس ابن أبو العز وتتجه الأنظار نحو غازي بيك بأنه قد خطفه وهو ببعض الحيل يوهم أهله أنه فعلاً خطفه قاصداً في ذلك إخضاع أبو العز لطلباته والانصياع لأوامره ولكن المفاجأة أن فارس يُرسل مقتولاً وهو ما يزيد الصراع بينهم ويجعله يبلغ أشده، فهو في كل تجربة فنية جديدة يدخلها يدرس جيداً أين عليه أن يضع قدمه بما يتناسب مع الظرف المكاني والزماني للشخصية.

شر متوارث

قدم عدة شخصيات متناقضة ونجح فيها كلها فبرز في الكوميديا وفي التراجيديا وفي التاريخي أيضاً، يؤثر في المتلقي تأثيراً مباشراً من خلال التماهي مع الدور الذي يسند إليه حتى وإن تعارض مع ذاته، أنس طيارة الممثل الشاب يلبس هذه المرة ثوباً جديداً غير ما اعتدنا عليه سابقاً فهو في الزند يؤدي شخصية «نورس باشا» الإقطاعي الذي يسعى للسيطرة على تجارة وأرزاق كل الأراضي التي تقع على نهر العاصي، مجرد من الإنسانية ولا يعرف الرحمة أبداً وهو شيء طبيعي في شخصيته التي تربّت في ظل أبيه الذي كان كذلك أيضاً، لكنّ نورس باشا كان أشد فتكاً من والده، ولأن عاصي لا يقبل بالظلم أو المهانة فيكون خصماً شرساً له ويحاول كل واحد منهما الإيقاع بالأخر والتخلص منه ولعلّ أكثر المشاهد التي شدت الجمهور وجعلته يكره شخصية نورس باشا ذاك الذي يقوم فيه بالتودد لأحد الفلاحين ومن ثم يأمر رجاله بأن يستولوا على أرضه ويسلبوه إياها.

طيارة يملك قدرة عالية على تجسيد الشخصية ونقلها ببراعة، فمن خلال مشيته ونظراته الخبيثة وضحكته الصفراء يشعرك أنه أيقونة من الشر.

فبعد أن قُتلَ جمّول لمن سترجح الكفة؟! لغازي بيك أم لأبي العز؟!

وهل ستبقى شخصية أبو نذير بهذا الظلم والجبروت أم سيرق قلبه على أفراد عائلته؟!

وهل سيقتل عاصي الزند كلاً من نورس باشا وإدريس أم لعارض ما ستتغير مجريات الحدوتة؟!

لابد أن الحلقات القادمة عندها الخبر اليقين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن