سمير عربش.. والرحيل
| إسماعيل مروة
ذلك الإنسان البسيط غاية البساطة، المحب كل الحب، إنه الصحفي الصديق سمير عربش، رحل سمير قبل أيام في أميركا حيث ذهب للقاء أولاده وأسرته التي تقيم هناك، وبعد أشهر قليلة على سفره انتكس سمير بصحته وغادر الدنيا بعيداً عن أرضه وبلده التي أحبها..
من عرف سمير عربش عرف ذلك الصحفي المجتهد حتى آخر يوم من حياته، ذلك الذي جاب شوارع دمشق، ولم يترك مدينة لم يزرها بحثاً عن مادة لمجلة أو جريدة عمل فيها أو لها، أو عمل على تبني صدورها.
لم يدّع يوماً بأنه مؤلف أو مميز، مع أنه تميز في قضايا كثيرة، كان يضع مادته بين أيدي أصدقائه، ويسمع أي نقد مهما كان.
قبل خمسة عشر عاماً التقيت سمير عربش، وتبادلنا النظر فيما نصنع، ومع أنني لا أنتمي إلى المدرسة الصحفية التي يعمل وفقها، لكنني احترمت هذا الرجل الذي يكبرني سناً وخبرة، ولكنه في الوقت نفسه يستمع إلى الرأي، يستوعب اعتداد قائله، ويبقى على هدوئه وهو يسمع الذم، ولا تخرج إلا وأنت تبتسم له وهو يبتسم، وشتان بين ابتسامة ودّه، وأي ابتسامة أخرى تراها..!
لم يترك مجالاً في الإعلام لم يطرقه سمير عربش، وكان يحمل أوراقه في ملف على الدوام، ويدور من مكان إلى آخر لينجز أمراً كلّف به، يذهب إلى الإخراج في مكتب يعتمده، ويبقى على إخراج عمله حتى ينتهي، ليحمل العمل ويذهب به ليتابع إنجازه حتى يصل إلى خاتمته.. ما جعل سمير على دراية بكل تفاصيل عمله، وبقي على ذلك حتى توقف عن العمل..
في كل مرة كان سمير يصدر عملاً كان المبادر للاتصال والتلطف بالإهداء من دون أن يطلب كتابة أو ما شابه، لكنه كان يعد جميع العاملين في مجاله أصدقاء له ويجب أن يقدم لهم عمله.
حين أصدر سمير عربش كتابه عن الإبادة الأرمنية وصلتني نسخته وكلمته، ودعاني إلى توقيعه، وحين قرأت الكتاب وجدت فيه معلومات شيقة وجديدة، واستغربت دخول سمير في هذا المجال، وحين التقينا عرفت السبب، ولكنني لم أخبره يومها بما ظلمته فيه حين رأيت الكتاب، توطدت علاقتنا، وعرفت أن زوجته أرمنية، وأنه من النوع النادر حياة وتفكيراً، وفي أثناء مرضه في دمشق كنت أتابع أخباره من الصديق نبيل طعمة، وبقينا على تواصل حتى سفره للاجتماع بأسرته، منذ أيام علمت بأن المرض عاود جسده فجأة فأنهكه وأنهاه وأن سمير الطيب غادر كل ملفاته، وترك على الرف كل المقالات والصحف والمجلات، وغادر وحيداً محاطاً بأسرته التي أحبها وأحبته.