ثقافة وفن

مثلث برمودا…. وهم أم حقيقة علمية؟ .. «اقتليهم هذا هو الحل» في السينما المثلث يختلف كثيراً!

| ديالا غنطوس

مثلث برمودا، ذلك الوهم الغامض الذي طالما سمعنا عنه ولم نعرف ماهيته، وقد ابتلع حياة بأكملها بلحظات لمجرد مرورها من مكان وجوده، تختفي للأبد ولا يعود لها أثر، تصبح ذكرى في طيات النسيان، وخبراً عابراً على الصفحات، وربما يكون الحظ حليفها عندما يتم تخليد ذكراها بسنوية تتكرر لتزيد من الغموض وتقلص من مقدار الألم والحزن، ولكن إذا ما تلفتنا حولنا، نجد أن ذلك المثلث يبتلعنا أيضاً ويخطف أناساً وأشخاصاً كانوا حاضراً وأصبحوا ماضياً عابراً، أحداث كانت مركز حياتنا لتتحول إلى ذكريات منسية، مثلث برمودا ليس محدوداً بمكان معين، بل يحيط بكل جزئية من حياتنا، ويحولنا أحياناً إلى أشخاص غير مرئيين، غير محسوسين، عبارة عن سطر في كتاب حياة البعض، وربما تمر ممحاة الزمن فوقنا لنصبح خيالا سطرت فوقه الأقدار أحداثاً جديدة لتخلق دمجا واقعيا لمثلث برمودا… الحياة بحد ذاتها مثلث كبير تجتمع في زواياها مفاجآت عديدة، فلنستمتع بها حتى في حالة التلاشي.

من تلك المقدمة أمضي لأحيي يوم مثلث برمودا الذي يصادف الخامس من شهر كانون الأول وهو المعروف أيضاً باسم «مثلث الشيطان»، وحتى يومنا هذا تندرج فكرة برمودا تحت بند الأساطير التي لم يتمكن أحد من فك لغزها أو إثبات صحتها، مع عدم القدرة في الوقت ذاته على دحضِها كليّاً، لكن ما يميزه عن سواه من الأساطير هو كونه غير مرئي ولا مدرك ولم يأخذ شكلاً أو حجماً محدداً، إلا أنه جرى الاعتقاد بأنه منطقة جغرافية تأخذ شكل مثلث متساوي الأضلاع بمساحة تفوق المليون كم² غرب المحيط الأطلسي حيث يمتد من الساحل الجنوبي الشرقي لولاية فلوريدا الأميركية مروراً بجزر برمودا والبهاما وبورتوريكو، وقد ذاع صيت مثلث برمودا واشتهر عقب أول حادثة اختفاء غير طبيعي حصلت عام 1950، وما تلاها من فقدان للعديد من الطائرات والمراكب ضمن حدود تلك المنطقة الجغرافية بما في ذلك حادث ضياع الرحلة 19 عام 1962، التي رُوي حينها أن قائد الرحلة جرى التقاط صوته وهو يقول «نحن ندخل مياه بيضاء، الوضع سيء، لا نعرف أين نحن، المياه صارت خضراء، لا بيضاء».
إذاً نحن هنا أمام ظاهرة طبيعية، أو غير طبيعية، أثارت الجدل والخلاف بين مؤيد ومصدق لها وبين من ينفيها جملة وتفصيلاً معللين ذلك بأن تلك الحوادث الغامضة ما هي إلا أخطاء تقليدية يرتكبها البشر في أي مكان حول العالم، مقدّمين نظرياتهم وتفسيراتهم العلمية والمنطقية التي حاولوا من خلالها شرح اللغز وتوضيحه، تتلخص هذه التفسيرات وتدور حول عدة أمور تتسم بها تلك البقعة الجغرافية، أحدها أن تيار المياه وعمقها قد يكونان سببين منطقيين لاختفاء حطام السفن والطائرات الذي ينجرف مئات الأميال في دقائق معدودة، كما أن ارتفاع الأمواج التي تتميز بها هذه المنطقة والذي يبلغ عادةً 10 أمتار ويصل إلى 25 متراً يًعد مسوغاً كافياً لتحطم السفن، وأضف لذلك الأعاصير العنيفة التي تشتهر بها تلك المنطقة وقدرتها على ابتلاع الطائرات والسفن بلمح البصر وخصوصاً في تلك الحقبة الزمنية التي لم تتوافر فيها التكنولوجيا الحديثة التي تمكِّن من التنبؤ بمواعيد الأعاصير والعواصف، وأحد تلك المؤثرات هو المجال المغناطيسي المرتفع جداً في هذا المكان، كغيره من الأمكنة على سطح الأرض، وهو ما قد يؤدي إلى تعطل البوصلة وما ينتج عنه من خلل في تحديد الوجهة، لكن لم يوجد أي تفسير لهذا الاضطراب المغناطيسي في هذا المكان حتى يومنا هذا، كما عزا البعض الأمر إلى النسبة المرتفعة لتركيز الجاذبية الموجودة في الأمواج العملاقة حيث يمكنها جذب السفن وإغراقها في 3 ثوانٍ أو سحب الهواء مما يحدث خللاً في الطائرات ويسقطها.
بينما اتجه المؤيدون لفكرة حدوث ظواهر غامضة مرتبطة بمثلث برمودا والذين بنوا مواقفهم بهدف الإثارة وأطلقوا العنان لخيالهم العلمي الجامح، فكان أحد تفسيراتهم هو وجود كائنات فضائية تختطف العابرين من تلك المنطقة بحسب احتياجها لهم، والنظرية الأخرى الأكثر غرابة كانت العثور على أدلة تؤكد وجود حضارة إنسانية ازدهرت عام 9600 ق. م وامتلكت تكنولوجيا متطورة في قارة «أطلنطس» قبل غرقها، لكن سكانها نجوا ويعيشون في عمق 5000 متر تحت الماء، يتمكنون عبر هذه التكنولوجيا من التأثير على الطائرات والسفن وسحبها للأسفل، شاعت هذه النظرية قبل تمكن الرادارات الحديثة من مسح المحيطات والتي بدورها نفت بشكل قاطع وجود أي نشاط غريب تحت الماء في منطقة مثلث برمودا. لكن النظرية الغامضة التي يميل لتصديقها أغلب الناس ومازال علماء الرياضيات يدرسونها بجدية، هي تلك المبنية على نظرية النسبية للعالم آينشتاين التي تؤكد وجود فجوات زمنية وما يسمى ثقوب سوداء في الكون، وفي حال وجود هذا في مثلث برمودا فإنه يعتبر سبباً طبيعياً للاختفاء، وتتميز هذه الفجوات بنشاطها في أوقات عشوائية وخمولها بأوقات أخرى.
أثارت تلك التفاسير والنظريات شهية الكتاب وصناع السينما في هوليوود فاعتبروها مادة دسمة يمكن الارتكاز عليها لجذب الجمهور الهاوي لقصص الغموض والتشويق، فظهرت العديد من الأعمال السينمائية مثل فيلم «المثلث The Triangle» من إخراج لويس تيغ عام 2001 من بطولة النجوم لوك بيري ودان كورتيز وأوليفيا دابو، لكن العمل الأوفر حظاً من حيث الانتشار الواسع وتقييم النقاد والجمهور كان فيلم الإثارة البريطاني «مثلث الرعب Triangle» الذي كتب قصته وأخرجه البارع كريستوفر سميث عام 2009 واختار لبطولته كلاً من ميليسا جورج بشخصية «جيس» والنجم مايكل دورمان الذي أدى دور «غريغ»، تبدأ أحداث الفيلم بانطلاق مجموعة من الأصدقاء في رحلة على متن يخت، إلا أنهم يتعرضون لإعصار يضربهم فيلجؤون إلى سفينة عابرة للمحيط، لكن لسوء الحظ انقلب لجوؤهم لتلك السفينة إلى كارثة من نوع آخر، نظراً لوجود شخص غامض يتعقبهم ويقضي عليهم واحداً تلو الآخر بطريقة مبهمة، ارتاب الجميع من «جيس» ظناً منهم أنها ذلك الشخص، لكن بعد مقتل جميع من كانوا في مجموعتها خاضت جيس معركة ضد الفاعل حيث تبين أنها فتاة مقنّعة، وقد صاحت بجيس «اقتليهم هذا هو الحل» قبل أن تُقدم على قتلها هي الأخرى، ومباشرة بعد ذلك يظهر قارب آخر على متنه جيس أخرى مع مجموعة مختلفة من الأصدقاء! ويتكرر سيناريو الأحداث نفسه بشكل شبه متطابق وتظهر «جيس» من جديد ليتبين لنا وجود عدة نسخ منها، ومع تعاقب الأحداث يتبين لنا أن جيس «الأصلية» هي من تقوم بقتل نسخها المكررة هنا وهناك، إلى أن يتبقى في النهاية نسختان من جيس، وتتوالى الأحداث لنستنتج بأن كل مخلوق على سطح المعمورة يوجد منه عدة نسخ لا يعلم بوجودها موزعة في أماكن مختلفة من العالم، أو أن حياة كل منا سيتكرر السيناريو الخاص بها من جديد بعد انتهاء كل حياة من حيواتنا، وستدور الأحداث نفسها التي مررنا بها إنما بمكان مختلف مع أناس آخرين إلى أن نصل لنهاية الحيوات. خلف الفيلم وراءه عدة نقاط استفهام تقصَّد الكاتب تركها بلا إجابة، لكن مفادها أن دورة الحياة ستستمر إلى ما لا نهاية، لكن ربط أحداث الفيلم بالوجود بمنطقة مثلث برمودا هو الأمر المبهم الذي يحوي رسالة غامضة من دون أي تبرير أو توضيح. والتساؤل الأكثر إلحاحاً ليس حول حوادث الاختفاء التي تحدث ضمن نطاق ذلك المثلث الغامض، بل حول عدم اختفاء أغلب العابرين له، هل هناك انتقائية في الأمر؟ أم هي مجرد حوادث عشوائية لفقدان أناس تصادف مرورهم هناك أثناء نشاط ذاك الشيء الغامض؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن