ثقافة وفن

الدولة العربية المدنية رحلة في تاريخ الدولة … أرسطو: لا بد أن تكون علاقة الحاكم بالمواطنين علاقة أحرار لا عبيد

| عامر فؤاد عامر

تتناول موضوعات هذا الكتاب السجال الفكري – السياسي، الذي تجلت إرهاصاته بداية القرن الماضي، مع تنامي شعور الكثير من المثقفين العرب بحتمية القراءة النقدية للواقع العربي، وبعث مشروع النهضة العربية، من خلال الدعوة إلى بناء الدولة الحديثة، بمناهضة الاستبداد، والإصلاح الديني، والعلمانيّة، وتحرر المرأة، وإقامة المجتمع المدني، والأخذ بناصية التقدم، والتفاعل الخلاق مع معطيات الحضارة المعاصرة، وتأكيد أهمية المثقف ودوره في بناء الدولة.

الدولة في الفكر السياسي
ماضياً وحاضراً
أورد مؤلف الكتاب «سيف الدين القنطار» في هذه الفقرة ما يلي: «… وفي عام 551 ق. م زوّد كونفوشيوس الفكر السياسي في الصين بمؤلفات عديدة، منها كتاب التعليم الأكبر، ويرى فيه أن تصريف شؤون الحكم يقتضي أناساً يمتازون بالاستقامة والصلاح، وأن فساد الحكم هو السبب الأساسي في إشعال الحروب، الوزارة الصالحة برأيه هي المسؤولة عن توزيع الثروة على الناس بصورة عادلة، ذلك لأن تكديس الثروة بيد قلّة حاكمة هو السبب الأول في تشتت الشعب وتمزيق وحدته، وقد بشر بمبدأ التماثل الأعظم، فإذا ما ساد هذا المبدأ أصبح العالم مثل جمهورية واحدة، يختار فيها الناس أصحاب الفضائل والمواهب والكفاءات».
في موقع آخر: «.. يشير أرسطو إلى أنه لا بد أن تكون علاقة الحاكم بالمواطنين علاقة بين أحرار، فالعبيد لا يملكون حق المواطنة في المدن اليونانيّة، وفي تعليله لنشأة الدولة يرى أنها نتاج تطور تاريخي. وهو يتفق مع أفلاطون على أن الضامن الوحيد للحكم الصالح هو القانون، ويشترط أن يرتكز القانون على قواعد عامة لا على أوامر، فهذه القواعد هي التي تجعل المواطنين راضين على الحكم لا مرغمين عليه.»
أما ابن خلدون فأضاف: لابن خلدون كما يذكر المؤرخون كتب كثيرة مختلفة، يهمنا منه مؤلفه المشهور: «كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر». ففي الباب الثالث من مقدمة هذا المؤلف تحدث إبن خلدون عن الدولة، موضحاً كيف تنشأ الدول وتتطور قوة وضعفاً، وما تحتاج إليه من المناصب ووسائل الدفاع في البر والبحر، مع كلام مفصل في الضرائب والجباية ».
المثقف والسلطة

في هذا الباب دلالة في كلمة المثقف لغوياً، وفي البعد والمعنى التاريخي، وفي رسالة المثقف والدور المنوط به ومنه اقتطفنا: «يقول إدوار سعيد: «إنني لكوني مثقفاً أقدّم مشاغلي إلى جمهور. وأكتب ما أكتب بعد تفكيرٍ وتأمّل لأعبر عمّا أؤمن به، ولأقنع الآخرين به، ويختلط لدي بصورة معقدة العام بالخاص أي تجد من ناحية تاريخي الشخصي، وقيمي وخبرتي، ومن ناحية أخرى تداخل هذه المسائل جميعاً في عالم المجتمع».

الدولة والمجتمع المدني
في هذا الجزء ذكر المؤلف «سيف الدين القنطار» أسباب انتشار هذا المفهوم وهي:
أولاً: الحاجة الماسة إلى إنهاء حالة التخلف الاجتماعي – التاريخي، وفتح الآفاق لفعل سياسي اجتماعي حضاري، يضع الصراع الاجتماعي في صيرورة منتجة…
ثانياً: اتساع نطاق التفاوت الاجتماعي، جراء خضوع المجتمعات العربية إلى الإفقار الاقتصادي والتفتيت الاجتماعي، والإذلال الثقافي والأخلاقي، على يد نخب اقتصادية اجتماعية…
ثالثاً: تعاظم الحاجة إلى بناء الدولة المعاصرة، والخلاص من الأنظمة الشموليّة وغير الديمقراطيّة على اختلاف درجاتها ومسمياتها…

الدولة العلمانيّة
يشير الكاتب إلى أن الدولة العلمانيّة هي دولة الضرورات الثلاث وهي:
أولاً: ضرورة المساواة بين المواطنين جميعاً، بضمان حرية المعتقد، وحرية القناعة الروحية للإرادة بصفتها شأناً شخصيّاً.
ثانياً: ضرورة صيانة المصلحة العامة، بصيانة حقوق الناس من دون تمييزٍ بين أبيض وأسود، غني أو فقير، وعدم التطاول على هذه الحقوق، وحمايتها من الدولة باعتبار ذلك وظيفة الدولة الأهم والمسوغ لوجودها.
ثالثاً: ضرورة علمنة المدرسة، من خلال وضع منهاج يستند إلى تعزيز القيم الأخلاقيّة والإنسانية العامة لدى النشء، ويحرص على تدريس الإرث الإنساني كلّه، من دون تمييز بين دين وآخر. وذلك بهدف الحفاظ على هويّة المدرسة، بصفتها للجميع.

الدولة وحرية المرأة
في هذا الجزء من الكتاب مجموعة من المحاور التي تمّ الشرح والكتابة فيه كالمرأة والإسلام والحجاب وتعدد الزوجات والطلاق ووجودها في ثقافة عصر النهضة، والأحزاب وقضية المرأة والنظم الاجتماعية والحركة النسويّة، وعن المرأة العربيّة المعاصرة وبناء الدولة الحديثة.
ومن هذا العنوان الأخير اخترنا: «… إن قانون الأحوال الشخصيّة يميّز بين المرأة والرجل، في معظم البلدان العربيّة، فهذا القانون يكرّس تبعية المرأة للرجل فهي لا تستطيع السفر إلا بإذنه، ولا يحق لها أن تمنح جنسيتها لأبنائها، وأن تكون وصيّة عليهم في حال وفاته، ويمكن للرجل أن يطلّقها دون تقديم مسوغات.
والمرأة في النهاية هي زوجة هذا الرجل أو ابنة ذاك، وفي كلتا الحالتين تبدو كأنها ملك للرجل».
موقع السياسة وأثرها في التجربة الثقافية العربية

يشير الكاتب أيضاً وفي لفتة منه إلى ماذكره الجاحظ في مقارنة بين أسلوبين بين العرب والأعاجم وفي تبيان مقارنة دفع كهذه للتحرك نحو الاجتهاد والمثابرة والتعب على الفكر والمعرفة والإدراك فيقول: «.. لقد سادت العقليّة المشائيّة الإسلاميّة، ولدى ابن رشد خاصّة، ومع ذلك قارن الجاحظ منذ القديم بين نمط التفكير عند العرب وعند الأعاجم بنص مشهور يقول فيه: «كل كلام للعجم فإنما هو عن طول فكرة، وعن اجتهاد ومشاورة وعن طول تفكر ودراسة للكتب. وحكاية الثاني علم الأول، وزيادة الثالث في علم الثاني، حتى اجتمعت ثمار ذلك الفكر عند آخرهم. وكل شيء عند العرب فإنما هو بديهة وارتجال وكأنه إلهام، وليس هناك مكابدة، ولا إحالة فكر، ولا استعانة، وإنما هو أن يصرف المرء همه إلى الكلام، وإلى رجز يوم الخصام»..
في موقع آخر يستشهد بالجابري الذي يضيف: «..يحق لبعض المفكرين أن يعتبروا الثقافة العربية ذات زمن واحد، زمنٍ راكد يعيشه الإنسان العربي اليوم، مثلما عاشه أجداده في القرون الماضية. يعيشه دون أن يشعر بأي اغتراب، أو نفي، بل يجد ذاته حين يستغرق في استعادة شخصيّات الماضي بأدبائه ومفكريه وفقهائه».

الدولة ومسألة الحريّة
جاء في المادة الرابعة من إعلان حقوق الإنسان: «إن الحرية هي القدرة على فعل كل شيء لا يلحق أذى بالغير». والوجود الحر كما يرى هيغل: « يشكل ماهية الإنسان بصورة مستقلة عن الولادة، والطبقة، والثقافة، فالإنسان حر بمعنى الجوهر والماهية».
ناقش هذا الجزء أيضاً مفاهيم وتعاريف أخرى للحرية وفي ضوء الاشتراكية والبرجوازية، وكيف تناول العرب في العصر الحديث مفهوم الحرية كقضيّة.

العولمة والدولة العربية الحديثة
تأتي العولمة اليوم كحالة تطور تاريخي للعالم وقد نشأت في النصف الثاني من القرن العشرين وعنصرها الأهم هو التفوق الأميركي في الميادين الحاسمة بالمقارنة وبخاصة تكنولوجيا وتقانياً واقتصادياً وعسكريّاً ومعرفيّاً.
أما المواقف العربيّة فتتباين من العولمة فالحكام والساسة منهم من يدعو للتأقلم مع الحالة فلا خيار لديهم إلا التواصل مع المجتمع الدولي، أو العزلة التاريخية والتأخر الحضاري، ومنهم من يرفض ذلك رفضاً قاطعاً ويرى ذلك نزعة استسلامية أما الموقف الثالث فلا يدعو للاستسلام ولا للعداء بل للاستناد للقدرات الذاتية ومقومات القوة العربيّة للحفاظ على الهوية بوصفها قوة إقليميّة.

الثورات ولانتفاضات العربية
في هذا الجزء استعراض تاريخي للكثير من الأمثلة منذ هزيمة 1967 إلى اليوم ومناقشة الثورة المصرية نموذجاَ، واستعراض لطبيعة الاقتصاديات العربية ودور الشباب العربي في التجديد والدور الأميركي في الثورات، والدروس والعبر من كل ذلك.
يذكر أن الكتاب صادر عن وزارة الثقافة – الهيئة العامة السورية للكتاب 2015.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن