قضايا وآراء

«اليمين الإسرائيلي» بات مصدر قلق أميركي

| عبد المنعم علي عيسى

في حمأة النار التي كان متوقعاً أن يزداد أوارها خلال شهر رمضان الجاري، مضى «اليمين» الإسرائيلي، بداية الأسبوع الماضي، نحو تصعيد ممارساته باقتحام المسجد الأقصى في خطوة هي أقرب لـ«جس نبض» متكرر حيال ما تراكم مؤخراً من متغيرات قد تستدعي القيام بالفعل، وفي حساباته التي استند إليها للمضي قدماً في تلك الممارسات، كان الاتفاق السعودي – الإيراني الحاصل 10 آذار المنصرم في ذروة تلك الحسابات، حيث القراءة تقول إن هذا الأخير من شأنه أن «يكبل» أيدي العديد من فصائل المقاومة على الساحتين الفلسطينية واللبنانية، بل ولربما اعتقد «المغالون» في تلك القراءة أن من شأن الفعل أن يدخل هؤلاء في «ثلاجة» جرت برمجة درجاتها على نحو لا يسمح فيها بأي «نشاط» حيوي بكل ما يحتويه ذلك المصطلح من معاني في شتى الاتجاهات.

ما جرى يومي الخميس والجمعة 6 و7 نيسان الجاري أثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأن القراءة ليست خاطئة فحسب بل إن «القارئ» لا يجيد فهم «روح» اللغة التي يحاول تعلمها كـ«فرض» عليه من باب «اعرف عدوك»، وأن الثبات عند «الهوية» والمقدسات أمر لا يمكن لأي توافقات أن تستثنيه فتبعده، والشاهد هو أن فصائل المقاومة ردت على اقتحام المسجد الأقصى بـ34 صاروخاً انطلقت هذه المرة من جنوب لبنان مستهدفة مستوطنات الجليل الغربي في مؤشر يقول إن الساحات تصبح موحدة إذا ما كان لزاماً الدفاع عند الخط الأخير أياً تكن حسابات موازين القوى أو المناخات المحيطة بالصراع.

بدا كيان الاحتلال في الغضون، محشوراً ما بين زاويتين، فهو من جهة لا يستطيع التعامل مع ما يجري بصمت أقله لإرضاء جمهوره، لكن من جهة أخرى كان فعل الرد يستدعي ضوابط إقليمية ودولية راحت مؤشراتها تتكاثف بقوة، والزاوية الأولى، فرضت على الكيان الرمي بأثقال القوة التي تمثل العنصر المركزي الأهم في بنائه وهو يرى أن لا بديل عنها لفرض معادلات جديدة خصوصاً بعد أن فشلت محاولاته المتعددة، في غضون السنتين الفائتتين، في كسر الحلقة التي تجمع بين فصائل المقاومة على ضفتي فلسطين ولبنان، صحيح أن كيان الاحتلال استطاع تحييد حركة «حماس»، ومعها «حزب الله» خلال معركة «سيف القدس» الأخيرة، لكن ذلك كان لحسابات خاصة متفق عليها، فيما بين الفصائل على الأرجح، ثم إن الدفاع عن «الأقصى» والقدس من شأنه أن يدفع تلك الحسابات في اتجاهات تغيب عنها كل التفاصيل والحسابات السابقة، ومن جهة أخرى فإن العاملين الإقليمي والدولي لا يبديان نزوعاً نحو دعم حكومة «اليمين» المتطرف في سياساتها التي تهدد بانفجار المنطقة برمتها، واللافت هنا أن الحليف الأميركي وجد نفسه، في واحدة نادرة، أنه عاجز أمام تلك الحال عن تقديم تبريرات لطالما اجترح منها الكثير في غضون العقود الماضية، والشاهد في ذلك أن الرئيس الأميركي جو بايدن كان قد أطلق، قبل أيام، انتقادات لإسرائيل غير معهودة وصفتها الـ«نيويورك تايمز» بأنها «لا تعكس خلافاً بين إدارة ديمقراطية وحكومة يمينية متطرفة، بقدر ما تعكس قلق المؤسسة السياسية الأميركية تجاه ما يجري في إسرائيل».

كانت الغارات التي نفذها سلاح الجو الإسرائيلي في غزة وعلى بلدة الرشيدية بلبنان تعكس ضيق هامش المناورة عند صانع القرار الإسرائيلي مما أظهرتها طبيعة الرد، فالضربات بدا وكأنها تتعمد عدم وقوع إصابات بشرية منعاً لانجرار المنطقة نحو حرب يدرك الكيان أنها ستكون مختلفة في طبيعتها عن مواجهات غزة الست ما بين 2008 – 2021، والراجح هو أن كيان الاحتلال يتحاشى التصعيد، وبمعنى أدق «يتهيبه» قياساً لمعطيات عدة إضافية لما سبق، وأبرزها حال الجبهة الداخلية التي تبدو كبرميل بارود يشتهي اقتراب «الشرارة»، ثم إن عملية «جس النبض» بطبعتها الأخيرة أثبتت أن «الذات الجمعية» لشعوب المنطقة، وإن كانت تقف أمام خطوط دفاعاتها الأخيرة، لكنها تبدي شراسة في دفاعاتها تلك ومن الصعب، أقله في هذه الظروف، تحقيق اختراقات وازنة فيها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن