يتحصن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومن خلفه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أمام الرئيس الصيني شي جين بينغ بحجم تجارة مع بكين تصل إلى نحو 860 مليار يورو، وذلك ليستطيع إيصال الرسالة الأميركية إلى الصين ضمن مهمته المكلف بها وهي بأن «تفاعل الصين مع روسيا سيكون له تأثير ضار على علاقاتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي».
بالتأكيد هذا الأمر سيضر بالمصالح الاقتصادية الصينية على المستوى العالمي ولكن بشكل مؤقت حكماً، لأن بكين قادرة على خلق سوق بديل للاتحاد الأوروبي، وخاصة بعد النجاحات الدبلوماسية التي حققتها السياسة الخارجية الصينية، ناهيك عن قدرة بكين على تحقيق الاستقرار الاقتصادي في ظل تراجع الاقتصاد الدولي بسبب الأزمات والحروب.
الصين كدولة عظمى تنافس الولايات المتحدة الأميركية وتتمتع باستقلال القرار السيادي، لن تميل إلى الكفة المعادية لروسيا لأنها تعي تماماً أن النظام العالمي الجديد بدأ يتشكل بمحورين أساسيين هما بكين وموسكو ليتعدى الأمر أي ضغط أوروبي من هذا القبيل، وإذا نظرنا للأمور على المستوى الإستراتيجي نجد أن الصين ستتخطى أميركا اقتصادياً وسياسياً وربما عسكرياً.
التهديد الأميركي للصين يتخذ عدة أشكال وهو مستمر، وهناك إجماع من الحزبين في الولايات المتحدة بشأن الصين وتايوان، حيث إن الجمهوريين لا يتخذون فقط موقفاً متشدداً في العلاقات مع بكين، بل يحاولون تقويض الوضع الراهن في العلاقات الدبلوماسية القائمة مع الصين، ومؤخراً عقد رئيس مجلس النواب بالكونغرس الأميركي كيفن مكارثي اجتماعاً مع رئيسة تايوان تساي إينغ-وين في طريقها عبر الولايات المتحدة عائدة إلى بلادها، وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز» فإن هدف الاجتماع كان إظهار تضامن الولايات المتحدة مع الجزيرة.
وأيضاً إضافة إلى كل ذلك تستخدم واشنطن أوكرانيا لتهديد الصين فيما يخص تايوان حيث وقّع سكرتير مجلس مدينة كييف فلاديمير بوندارينكو ونائب عمدة تايبيه لي شوتشوان في تايوان مذكرة تعاون بين المدينتين، وبالتالي هذا دعم غير مقبول للنزعة الانفصالية التايوانية بالنسبة للصين.
يقول بعض المحللين إن بكين ستسد باب استهدافها من الجزيرة التايوانية من خلال إنهاء هذه المشكلة تحت مبدأ «صين واحدة»، وذلك دون إطلاق رصاصة واحدة وبأقل من عام بحسب تعبير رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي مايكل ماكول، والذي أكد أن الصين قد تحاول السيطرة على تايوان بشكل سلمي عبر انتخابات رئيس جديد لإدارة الجزيرة في كانون الثاني 2024.
الصين قوة دولية عظمى على المستويات كافة وهي تتقدم بخطا ثابتة نحو هدفها لتكون القوة الأولى عالميا من الناحية الاقتصادية، لتبقى التفاصيل والعراقيل التي تضعها واشنطن أمام السكة الصينية المنطلقة إلى الأمام ثانوية، ولا ترتقي لتكون عقبات مفصلية، وخاصة أن بكين بدأت تُظهر اليوم القوة السياسية والعسكرية على المستوى الدولي لتقول للعالم كله أن التنين الصيني بدأ بالاستيقاظ وواشنطن وأتباعها لن يستطيعوا أن يحولوا دون ذلك وإن كانوا سيسعون ليؤخروا ذلك ما استطاعوا.