شهدت الصرافات الآلية يوم الخميس الماضي 13/4 إزدحاماً غير مسبوق للحصول على منحة المرسوم التشريعي رقم 5 لعام 2023 الصادر في العاشر من نيسان الجاري والقاضي بصرف منحة الـ150 ألف ليرة سورية للعاملين في الدولة والقطاع العام والمتقاعدين. (1,7 مليون مستفيد تقريباً).
ولعل هذا الإقبال الكبير والسريع يشير إلى الضرورة القصوى، والإصغاء لنبض الناس، هو أداء في الوقت المناسب.
جاءت تلك المنحة في أعقاب منحتين، كبر فيهما الرقم إلى 100ألف ليرة (منحة 25-8 ومنحة 15-12-2022).
وقياسا على تكاليف المنحة السابقة، فإن قيمة المنحة الحالية 375 مليار ليرة سورية.
وهذا الرقم المالي كبير ومهم، وهو للعاملين والمتقاعدين، هدية عيد محرزة وإغناء لحال الباعة على مختلف مستوياتهم، فهي طاقة لا يستهان بها لكل الأسواق السورية.
تأتي هذه المنحة، بعد 70 يوماً تقريباً من زلزال السادس من شباط المروع، الذي أصاب اللاذقية وإدلب وحلب وحماة، دمر وهدم آلاف البيوت والمرافق وشرد ما يقرب من 400 ألف نسمة، وبلغت الخسائر الناجمة عنه 50 مليار دولار استناداً إلى إجابة للسيد الرئيس بشار الأسد على سؤال لإحدى وسائل الإعلام الروسية إبان زيارته الأخيرة إلى موسكو أواسط آذار الماضي.
وما من شك أن نتائج الزلزال الكارثية رتبت على الدولة السورية أعباء إضافية، على حين أنها كانت وما تزال عاجزة عن إنجاز كثير من الاحتياجات الضرورية، والمشاريع والبنى التحتية الإنتاجية والخدمية، بسبب عدم توفر الإمكانات المالية.
قد تكون الكتلة المالية الضخمة 375 مليار ليرة سورية، كافية لشراء مئات الباصات، وإنجاز جسور وأنفاق في كل المدن السورية للوصول إلى حركة نقل حضارية، بدلاً من الركض وراء الميكروباصات والتدافع المؤذي والتكدس في الباصات على نحو محزن، علما أن حال وسائط النقل العامة، بات هرما جداً ومتداعيا ولاسيما الميكروباصات.
وهذا مثال والأمثلة كثيرة وربما أكثر أهمية، فمصانعنا العامة الكبرى لا تزال مهجورة بعد الحرب لعجز وزارة الصناعة عن إعادة تشييدها أو ترميمها أو تجهيزها، وزراعتنا في شقيها النباتي والحيواني، تحتاج إلى أسمدة ومحروقات وأعلاف ومجففات، ولا تقوى الدولة على توفير هذه المستلزمات، لقلة الموارد بالمقارنة مع النفقات.
إذاً، المنحة 375 مليار ليرة سورية، تضحية كبيرة لإرضاء بعض الاحتياجات الأساسية الآنية لشريحة ذوي الدخل المحدود، التي ظلمت كثيراً على يد التضخم المالي السريع وغير المسبوق. هذه المنحة، هدية ثمينة في زمن الأعياد.
وبديهي أننا لا نتجاهل الأرقام التي تتحدث عن احتياجات الأسرة السورية، وهي بالملايين شهرياً، قياساً على نمط الإنفاق قبل الحرب على سورية، المستمرة اقتصادياً -على الأقل- وبشراسة مذهلة.
ولهذا يرى خبراء الاقتصاد أن مداواة الوضع المعيشي في سورية، في ظل العجز عن مضاعفة الرواتب والأجور عشر مرات، إنما تكمن في السعي الجدي إلى ضبط الأسعار ولجم النزعة المرضية الجديدة على المجتمع السوري والمتمثلة بما يمكن تسميته بلعبة تنطيط الأسعار، أسعار كل شيء، فجميعنا نعيش الظاهرة، إذ نلمس أن الأسعار تقفز دون مسوغات موضوعية يوميا في بعض الأحيان. أسواق تسخر من الناس وتستهتر بهم.
أما المناداة بالضبط عبر الرقابة والضبوط والاستغاثات العاطفية، وحفز النخوة والتلويح بمقومات التقوى، فهي كمن يبحث عن إبرة في كومة قش كبيرة، فالنقص في عدد المراقبين رفيعي المستوى فادح، وعدد الباعة بالملايين، والحل الوحيد، أسواق حكومية موازية، ملتزمة بالأسعار المشروعة والثابتة، أسواق تغذيها مؤسسات حكومية نشطة، مثل السورية للتجارة ومؤسسات الدواجن واللحوم والمباقر ومصانع الألبان والأجبان والصناعات الغذائية الحكومية.
هذا هو السبيل الوحيد لحياة معيشية أرحم وأكثر هدوءاً لعدد غير قليل ممن يريدون أن يبقوا مستورين.