ما الأزمات التي ضربت المواطن في 2015 وستلاحقه في عام 2016 … المدير السابق للمركزي للإحصاء: معظم السوريين يعيشون تحت خط الفقر
| علي محمود سليمان
مع اقتراب نهاية العام الحالي 2015 يكون المواطن السوري قد أنهى عاماً من الأزمات الاقتصادية بامتياز بدأت بارتفاع الأسعار لجميع السلع والخدمات، أخذ شكلاً قاسياً من أشكال التضخم، وانخفاض القدرة الشرائية للمواطن بعد الانخفاض الملموس في قيمة الليرة، مروراً بأزمات معيشية ارتبطت بشح المياه وأزمة الخبز السيئ التصنيع، وصولاً إلى رفع أسعار المواد المدعومة وفي مقدمتها الخبز الذي كان خطاً أحمر إضافة إلى المشتقات النفطية التي أصبحت عبئاً يثقل جيوب المواطنين لينتهي العام مع تغير كامل لنمط معيشة المواطن السوري.
أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق شفيق عربش (المدير السابق للمكتب المركزي للإحصاء) بيّن لـ«الوطن» أن أزمة المشتقات النفطية وعدم تأمين موارد الطاقة اللازمة لإعادة إقلاع العملية الإنتاجية، أدى إلى زيادة في كميات المستوردات وتنوعها وعدم قدرة البنك المركزي على تأمين تمويل هذه المستوردات، ما أدى بالتجار المستوردين للجوء إلى السوق السوداء للبحث عن العملة الصعبة لتمويل هذه المستوردات، وبالتالي الضغط على سعر الصرف وارتفاعه، ما أدخلنا في حلقة مفرغة من التضخم، الذي أدى لارتفاع كبير في الأسعار وخاصة في النصف الثاني من عام 2015، لينعكس هذا التضخم كنتيجة لهذه الأزمات على واقع ونمط المعيشة للأسرة السورية.
وأجبرت الأسرة السورية على إعادة النظر في نمط استهلاكها وبسلة السلع التي يتكون منها هذا الاستهلاك، وهنا يحذر عربش من تأثيرات سلبية في صحة الأجيال القادمة، بسبب النقص الكبير في المواد المغذية ضمن السلة الغذائية بسبب ارتفاع أسعار هذه المواد.
أزمات مستمرة
توقع عربش أن تستمر هذه الأزمات في عام 2016 لكون العملية الإنتاجية ما زالت متوقفة، فبرغم كل التصريحات الحكومية بأنها تولي إعادة إطلاق عجلة الاقتصاد أهمية قصوى، إلا أن هذا الأمر لم يتحقق، مشيراً إلى وجود مشكلة حقيقية تنتظر الاقتصاد نتيجة نقص الخبرات والقدرة البشرية نتيجة الهجرة، والرقم الذي أعلنه رئيس الحكومة عن هجرة 134 ألف مواطن خلال شهر واحد هو رقم بسيط أمام ما هو على أرض الواقع، فحسب بيانات صادرة عن جهات مختصة فإن هناك 280 ألفاً هاجروا بين أيلول وتشرين الأول والمصيبة أن النسبة العظمى من المهاجرين هم من القوة البشرية العاملة، وهي مشكلة بشرية نخسر فيها الإنفاق الطويل التي أنفقته الدولة على إعداد هؤلاء الشباب من تعليم وطبابة ومستلزمات حياة وسلع مدعومة عندما كانت هناك سلع مدعومة وهو كله نخسره في وقت قصير جداً، حيث ازدادت معدلات الهجرة في عام 2015 ولكن نتائجها سنلحظها لاحقاً.
خط الفقر
وبيّن عربش أن الأغلبية العظمى من الشعب السوري يعيشون تحت مستوى خط الفقر لأن ارتفاع الأسعار كان كبيراً ولم تواكبه حركة الرواتب والأجور في البلد، والمشكلة أن الأزمة لا تحل بزيادة الرواتب والأجور، فهي أزمة مركبة، حيث بدأت المشكلة بالتحرير الذي حصل لمعظم أسعار مستلزمات العملية الإنتاجية الزراعية والصناعية، وبالتالي المدخلات محررة فيجب أن تكون المخرجات محررة، وهنا عجزت الحكومة عن ضبط الأسواق، أو يمكن القول: إنها فقدت القدرة على التسعير الإداري، وحتى لو سعرت إدارياً فهناك عدم التزام بهذا التسعير، والقول بأن دوريات التموين تجوب الشوارع كلام لذر الرماد في العيون لأنه لم يؤد إلى نتيجة وارتفاع عدد الضبوط للمخالفين ممن يسمونهم ضعاف النفوس يعتبر مؤشراً إلى أن هناك انفلاتاً كبيراً في الأسواق، على حين بقيت الحكومة مسيطرة على التسعير الإداري في الرواتب والأجور فقط ولذلك هناك فجوة كبيرة الآن بين الرواتب والأجور والأسعار في الأسواق وهذا الأمر قد يؤدي إلى استشراء الفساد وكبر حجمه أكثر مما نعانيه الآن.
ولفت عربش إلى أنه لو أخذنا نتائج مسح دخل ونفقات الأسرة الذي قام به المكتب المركزي للإحصاء لعام 2009 وصوبناه وفق معدل التضخم ورأينا متوسط الأجور لعام 2009 وأردنا أن نصوب وفق معدل التضخم الحالي فسنجد أن الحد الأدنى للأجور يجب أن يكون 70 ألف ليرة سورية.
معركة سعر الصرف
وحول أزمة سعر الصرف رأى عربش أنها أزمة كان بالإمكان تجنبها، حيث إن إدارة السياسة النقدية لم توفق في حساباتها فيما يتعلق بالأزمة، واختارت ما اعتقدت أنه المعركة الأسهل بالنسبة إليها، وهي معركة سعر الصرف حيث لم يخطر على بال الإدارة النقدية أن هذه الحرب القذرة على سورية ستطول كل هذه المدة واعتقدوا أنهم خلال أشهر قليلة ستحسم الأمور وبالتالي معركة سعر الصرف كانت ضرورية حيث استطاعوا في أول سنتين من الأزمة الحد من تدهور سعر الصرف ولكن بعد ذلك فقدوا السيطرة على الساحة ومع هذا ما زالوا مستمرين باعتماد نفس الأسلوب في دعم الليرة السورية. مؤكداً أن الإدارة النقدية لم تكن موفقة في عملها وهي التي ساهمت بما وصلنا إليه الآن لأنها أول من ضارب على الدولار من خلال جلسات التدخل حيث إن جلسات التدخل تعتبر مزادات علنية وبالتالي هي مضاربة وهذه الأعذار التي تقدم في كل مرة وأن سعر الصرف الحالي هو سعر وهمي ولعبة ارتفاع ليرة وانخفاض ليرتين لا تحل المشكلة.
لغة الحلول
أكد عربش أن الحل يتمثل بإطلاق العملية الإنتاجية ودعمها بقوة لأنها ستؤدي لتشغيل الناس وتولد الدخول وتقلل الاعتماد على الاستيراد وتوفر من القطع الأجنبي، وما يتم الحديث عنه فيما يتعلق بتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمتناهية في الصغر أصبح مكرراً جداً يعود إلى ما قبل الأزمة وكان مطروحاً بقوة في الخطة الخمسية العاشرة، ولذلك يجب إطلاق خطة المشاريع الصغيرة والمتوسطة بالشكل السليم وليس بالشكل الذي يحدث الآن بأن نعلن في كل يوم خطة جديدة وأكثر من جهة تطرح المشروع.
فنحن بذلك ننتقل من إخفاق إلى إخفاق وخير دليل على ذلك أنه بعد أن تفاقمت أزمة المياه في دمشق تحدثوا عن مشاريع لحلول بديلة بـ16 مليار ليرة سورية وكأنه بمجرد الحديث عن أرقام مالية كبيرة نكون قد حللنا المشكلة، وفي الحقيقة أن التنمية ليست أرقاماً مالية كبيرة والتنمية هي مشاريع صغيرة تعمل وليست طموحات كبيرة لا نستطيع أن نحققها وبالتالي تتحول إلى عبء علينا، وهنا فإن الإدارة الحكومية في بعض جوانبها عطلت العملية التنموية، كما أن اتحاد غرف الصناعة في سورية يعرف ما اللازم لإطلاق العملية الإنتاجية ولكن هناك تعنداً من بعض المسؤولين هو الذي يؤدي إلى تأخيره.
وشدد عربش على أن إعادة دوران عجلة الاقتصاد ستؤدي إلى خلق فرص عمل وبالتالي دخول عدد كبير من العاطلين من العمل حيث قدرت نسبة البطالة بأكثر من 50% وبالتالي إطلاق عملية الإنتاج سيؤدي لدخول الكثير من الناس لسوق العمل وبالتالي تحفيز الطلب والطلب يحفز العملية الإنتاجية وهكذا ندخل في حلقة ايجابية تسهم في خلق معدلات نمو اقتصادي مقبولة في ظل الظروف التي نعيش بها، فلا يمكن إنكار أثر الحرب القذرة التي تشن على سورية.
ولكن لا يجوز بالمطلق أن نعزو كل أسباب هذه الأزمات للحرب ولابد لنا من القول إن الإدارة الاقتصادية في سورية لم تكن على مستوى الحرب وبقيت في نطاقها التقليدي أو تبحث عن حلول من الماضي وتعيد إنتاجها من جديد وخير دليل على ذلك ما حدث في المشتقات النفطية.