قضايا وآراء

«انزل عنه وامتطِ غيره»

| مازن جبور

هناك حكمة هندية قديمة تقول: «إذا اكتشفت أنك تركب حصاناً ميتاً أو على وشك الموت فإن أفضل إستراتيجية هي أن تنزل عنه»، إلا أن النزول وحده لا يكفي في السياسة، بل يجب امتطاء حصان غيره يكون رابحاً، وهذا ما يجب أن يفكر به العرب اليوم، وأن تأتي بياناتهم فيما يخص سورية تعج بروح الأخوة والعمل العربي المشترك، لا تضيق ببنود الاتفاقات وبهواجس التداعيات.

تنطبق الحكمة السابقة بشكل ما على الحالة التي تمر بها السياسة الدولية وسط التبدلات التي تطرأ في النظام الدولي بدءاً من سورية وصولاً إلى أوكرانيا وتايوان وإيران وغيرها من المناطق التي شكلت تحولاً في بنية النظام الدولي، إذ إن الدول غير القانعة مثل روسيا والصين والهند وإيران وتركيا واليوم دول الخليج العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بدأت تقتنع أن حصان الولايات المتحدة الأميركية قارب على خسارة الصدارة في سلم النظام الدولي مع تقليص فوارق القوة والنفوذ في العالم عموماً والشرق الأوسط خصوصاً، وأن الكبوة الكبرى ستكون إذا ما حدث انشقاق في الصف الأوروبي عن السياسات الغربية التي توجهها واشنطن، مع أولى بوادر هذا الاتجاه والتي لاحت بزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بكين وتصريحاته خلال طريق عودته من هناك.

يبدو الانعكاس الجلي لهذا التحول واضحاً في سياسات الرياض الخارجية في المنطقة، سواء على صعيد المصالحة مع إيران بوساطة صينية أو على صعيد التطور في الموقف من الحدث السوري والحدث اليمني، إذ إن ما يجري لا يمكن القول إنه بموافقة أميركية كاملة، بل ثمة تجاوز من الرياض وأبو ظبي وحتى القاهرة لتوجهات واشنطن، وأن الأخيرة بدأت تتوجس مما يجري، وستعمل على كسب ود الرياض وأبو ظبي ومن حولهما، وسنشهد على الكثير من الزيارات لمسؤولين أميركيين إلى كلتا العاصمتين، وإعلانات عن صفقات أسلحة واتفاقات اقتصادية، في محاولة لاحتواء الموقف.

وهنا يمكن التكهن، بأن الرياض لن تتراجع عن سياساتها الخارجية التي بدأت تتخذها منذ مطلع العام الحالي بل ستواصل المضي قدماً في هذا الاتجاه، ليس من باب النزول عن الحصان الخاسر فقط، بل لأن التحولات التي بدأتها المملكة داخلياً مع تولي الأمير محمد بن سلمان لولاية العهد، وما سيتبعها من خطوات لاحقة بخصوص نقل السلطة في المملكة من جيل إلى جيل، يحتاج إلى تحول في السياسة الخارجية للمملكة تنسجم مع التغيرات الداخلية، وهنا تجدر الإشارة إلى أن ما تعرض له ولي العهد السعودي من سياسات ضغط وابتزاز أميركي في قضايا عدة، جعله يستفيق لطبيعة التبعية التي تضع بها واشنطن المملكة ومن في لفيفها، وبدأ الأمير ابن سلمان البحث عن شرق أوسط أكثر استقراراً، الأمر الذي يتطلب حل أزماته بما يسهم في سيادة واستقلال وحداته الدولية.

وفي سياق سياسات النزول عن الحصان الأميركي الموشك على الموت في المنطقة على الأقل، على المدى المنظور، يأتي البيان الختامي للاجتماع التشاوري لدول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر والعراق، في مدينة جدة السعودية، ليؤكد على وحدة سورية ويطالب بإعادتها لمحيطها العربي، والعمل على استقرار أوضاعها والحفاظ على سيادتها والتصدي للتدخلات الخارجية في شؤونها، ومحاربة الميليشيات المسلحة على أراضيها، وبسط سيطرة مؤسسة الدولة، يحمل رسائل واضحة تخالف توجهات واشنطن وتنسجم بدرجة ما مع ما تدعو إليه موسكو وبكين وطهران.

لقد جاء البيان مدروساً بعناية ويمكن وصفه بالحذر، وأن هناك الكثير مما هو تفصيلي اعتمد إخفاؤه فيما بين السطور، وفي الوقت ذاته فإن ما ورد فيه ينم عن موقف واضح وصريح وعلني، إلا أنه لا يتعاطى مع سورية بروح الأشقاء، بل في جو من الحذر والانكماش، وكأنه يشير إلى أن ما جاء فيه هو عناوين عريضة لخطة تفصيلية، قد تكون تطوير لمبادرة «خطوة بخطوة» الأردنية، لكنها معدلة بما يتسع لهواجس ورغبات الجميع، ويضمن الانطلاق نحو حل كامل وشامل للأزمة السورية، دون المرور على أي قرارات دولية ذات صلة، بل الحديث عن حل عربي عربي يعيد للملف توازنه الإقليمي.

بناءً على القراءة السابقة للبيان، فإن على العرب ألا ينسوا روح الأخوة، وألا ينسوا أنهم من ناصب سورية العداء، وأن المطلوب اليوم تصحيح الخطأ وليس اشتراطات واتفاقات مبنية على أساس من الاستثمار في الحالة الصعبة للوضع السوري المتأزم اقتصادياً وخدمياً، وألا يفهموا أن تمسك دمشق بقضايا العرب المحقة ما هو إلا مبدأ من مبادئ سورية التي تتمسك بها القيادة السياسية ولم ولن تحيد عنها، وأن عودتها إلى البيت العربي هو خدمة للقضايا العربية المشتركة، الأمر الذي يوجب تطويراً للنظام الإقليمي العربي وتفعيلاً لمشاريعه المتوقفة، وأن ذلك لا يتم بلا سورية، وهذا حصان العرب الرابح.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن