تثار قضية الآن في الكثير من الأوساط الغربية، وشخصياً كنت شاهداً عليها خلال حضور عدد من الندوات السياسية التي نظمها بعض من المؤسسات الأكاديمية الأوروبية، منها في لندن، وتتلخص هذه القضية في جملة واحدة هي: «إعادة إعمار سورية».
لقد كانت عملية إعادة الإعمار مشروطة بمطالب سياسية، وكان من الواضح أنها تمثل في مجملها نوعاً من الضغوط على الحكومة السورية، بمعنى آخر إنها لم تكن لمصلحة المواطن السوري أو بريئة من المساومات السياسية، الأمر الذي يزيد من دقة هذه القضية.
إن الحقيقة التاريخية التي لا يمكن لأحد أن ينكرها وهي أن هناك كثيراً من الدول شريكة في عملية التدمير الممنهجة التي عاشتها سورية، وبالتالي يتحتم أخلاقياً على الأقل، إن لم نقل قانونياً، أن تكون شريكة في عملية إعادة الإعمار لهذا الوطن العزيز، وبالتالي فإن الوضع اليوم يتمثل في أن عملية إعادة الإعمار يجب فصلها عن المطالب والاشتراطات السابقة وأن تكون محض إنسانية كما المساعدات التي قدمت لسورية بعيد الزلزال.
لقد تناول عدد من الصحف الغربية هذه القضية، واطلعت على بعضها وجميعها تطرق للحديث عن هذه النقطة من دون شرح الأسباب للقيام بهذه الخطوة الإنسانية في الأساس لمساندة الشعب السوري ومحاولة تحسين ظروف حياته.
وفي التجربة الإنسانية العالمية، قام الكثير من الدول بمساندة دول أخرى في هذا المجال، ومدينة الشيخ زايد في غزة أو القاهرة هي خير دليل على ذلك.
والحاصل فإن هذه القضية مهمة لعدة اعتبارات، ومنها:
1- من حق المواطن السوري الذي دُمر بيته، وشُرد بسبب نشاط الجماعات الإرهابية غير القانوني في البلاد، أن يحصل على منزل ملائم تتوافر فيه المرافق من ماء وكهرباء وغاز، وسبل العيش الكريم.
2- الكثير من الدول العربية وللأسف الشديد فتحت أبوابها لكثير من الأبواق المرتزقة التي كان يخرج بعضها وينادي بالتصعيد ضد الدولة، وهو أمر مؤسف وأدى لهذه النتيجة الحالية وتدمير الكثير من المساكن والبنايات ومرافق البنية التحتية التي وفرتها الدولة للمواطن، الأمر الذي يحتم أن يكون كثير من الدول العربية شريكاً في عملية إعادة الإعمار، كما كانت سبباً في عملية التدمير.
3- كانت سورية من أوائل الدول التي حذرت من تداعيات ما يجري في المنطقة منذ عام 2011، وحذرت مراراً، سواءً على لسان الرئيس بشار الأسد أم كبار المسؤولين، ولكن للأسف ساند بعض من الأطراف العربية والإقليمية، الجماعات المسلحة التي حاربت الدولة وانعكس نشاطها سلباً على وضع البلاد بالنهاية.
من هنا باتت قضية إعادة الإعمار مصيرية من أجل محاولة تعويض المواطن السوري البسيط لجزء مما فقده، وأعتقد أن القمة العربية وما يليها من اجتماعات بين الأشقاء العرب ستتطرق لهذه القضية، غير أن هناك تنافساً يلوح في الأفق صراحة بين أكثر من طرف عربي وإقليمي للتباري للمشاركة في هذه المهمة التي أعتبرها من أقدس المهام وأعظمها، وأبدت مصر بما تملكه من شركات عملاقة، اهتماماً لافتاً بهذه القضية، وأيضاً أبدت أطرافاً أخرى الاهتمام نفسه، الأمر الذي يجعلني أقول وعبر منبر «الوطن»: كم أتمنى أن نتبارى جميعاً في عمل هذا الخير، وكم أتمنى أن تلتقي السواعد المصرية والإيرانية والإماراتية والسعودية واليمنية والعربية عموماً مع السواعد السورية لنبني ويداً بيد المرافق والمساكن اللازمة التي يحتاجها المواطن السوري.
كم أتمنى أن تكون مشاريع إعادة الإعمار في سورية شاهداً ودليلاً على التكامل والتعاون العربي المشترك أو التعاون العربي الإقليمي المشترك من أجل توفير حياة إنسانية للمواطن السوري الذي فقد منزله مع الأحداث المؤسفة التي شهدتها البلاد.
دوماً أقول: إن سورية تستحق أفضل من هذا، وأتمنى أن يمنحها المجتمعون بالقمة العربية المقبلة الفرصة لشعبها للحصول على هذا الأفضل دوماً.