قضايا وآراء

حراك ما قبل القمة

| عبد المنعم علي عيسى

شهدت المنطقة في غضون الأيام العشرة الأخيرة حراكاً ديبلوماسياً عالي الوتيرة، وإذا ما كانت مرامي القائمين فيه ترنو للوصول إلى مواقف وتوافقات من شأنها أن تضع قمة الرياض، المقرر انعقادها 19 أيار المقبل، بصورة لم يتسن لنظيراتها أن تحظى به منذ خريف العام 2011، التاريخ الذي غابت بعده دمشق عن القمم العربية بعد تجميد عضويتها شهر تشرين الثاني من هذا العام الأخير، والفعل، أي وضعية «لم الشمل العربي» التي تسعى الرياض إليها، تكمن عقدته الأهم في حسم الجدل الدائر منذ أشهر، ولا يزال، حول عودة دمشق إلى مكانها الطبيعي الذي غيبت عنه لأسباب معروفة ولربما كان ذكرها يندرج في سياق «نكئ الجراح» غير المفيد أقله في لحظة حرجة كتلك التي تمر بها المنطقة الآن حتى لتكاد أشبه بـ«برميل بارود» يشتهي «نسمة حرارة» لكي يتخلص من كل هذا الاحتقان الذي يحتويه بفعل عوامل عدة.

حَطَّ وزير الخارجية فيصل المقداد في جدة يوم الأربعاء 12 نيسان الجاري على رأس وفد ديبلوماسي رفيع المستوى، والزيارة التي أعلنت الرياض أنها حدثت تلبية لدعوة موجهة من وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان تمثل في توقيتها، وكذا في السياقات التي جاءت بها، «ثغرة» في جدارات لا يزال كثيرون يعملون على إعلائها، وتلك «الثغرة»، من النوع الذي يمكن البناء عليه في سياق السياسات التي تعتمدها دمشق في هذه المرحلة، والتي أشار إليها الرئيس بشار الأسد بحديثه لقناة «روسيا 1» الذي أذاعته في 16 آذار الماضي بقوله: «إن الأولوية الآن هي للعلاقات العربية الثنائية»، وبمعنى آخر أن دمشق لا تولي مسألة حضورها لقمة الرياض المقبلة أولوية، من دون أن يعني ذلك عدم اهتمامها بها، انطلاقاً من وجود عواصم لا يزال بعضها أسير نزعاته «الجهادية»، والبعض الآخر أسير «رياح الجنوب» الأميركي التي يصعب عليه التمايل بعكس اتجاهاتها لاعتبارات داخلية وأخرى لها علاقة بالتوازنات القائمة في المنطقة والتي لا تريد واشنطن لها أن تتغير.

لا يمكن فصل زيارة المقداد لجدة عن معطيين اثنين، أولاهما الزيارة التي قام بها الأخير للقاهرة قبل أيام، والراجح هنا هو أن مخرجات هذه الزيارة سابقة الذكر، هي التي قادت نحو محطة جدة في 12 نيسان، وثانيهما أن الزيارة جاءت قبل يومين من الموعد المقرر لانعقاد «مجلس التعاون الخليجي» على مستوى وزراء الخارجية والذي حضرته، إضافة إلى أعضائه الستة، كل من مصر والعراق والأردن، وناقش هؤلاء مسألة عودة دمشق للجامعة العربية.

استبقت وزارة الخارجية السعودية زيارة المقداد ببيان جاء فيه أن «المقداد سيناقش مع مسؤولين سعوديين قضايا عدة مهمة، ومن بينها الجهود المبذولة للوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية»، ولربما كان هذا القول أكثر أهمية، بما لا يقاس، من مسألة عودة دمشق إلى الجامعة العربية من دون أن يعني ذلك، مرة ثانية، عدم اهتمام الأولى بحدث من هذا النوع خصوصاً أنه يندرج في سياقات ترميم منظومة العمل العربي المشترك وتفعيل آلياتها، وهذا المسار كان الأساس الذي استندت إليه أبو ظبي في تقاربها مع دمشق البادئة قبل نحو ثلاث سنوات والمتواتر بشدة ما بعد زلزال 6 شباط.

ستعقب زيارة المقداد إلى جدة نظيرة لها سيقوم بها إلى الجزائر ومنها إلى تونس، والثانية كانت قد استبقت زيارة وزير الخارجية السوري بإعلان مشترك، مع دمشق، عن «إعادة العلاقات الدبلوماسية ما بين البلدين بشكل رسمي، والبدء بفتح السفارات بينهما»، أما الجزائر فربما كان ترحابها بـ«الزائر»، هي التي رفضت انعقاد قمة عربية على أراضيها من دون سورية، لا يحتاج إلى أي بيانات من النوع سابق الذكر.

إلى الآن هناك مواقف ثلاث دول عربية لا تزال قيد التبلور، الكويت والمغرب وقطر، وإذا ما كانت وزارة خارجية الأولى، أي الكويت، قد استبقت اجتماع «مجلس التعاون الخليجي» في 14 نيسان ببيان قالت فيه: إنها «ستمضي قدماً في أي قرار ينال إجماعاً عربياً حول سورية»، في مؤشر يؤكد على تراجعها عن مواقفها القديمة، فإن مواقف الثانية، أي المغرب، لا تزال على حالها الذي كانت عليه يوم أوعزت واشنطن بوجوب قطع أوصال الوشائج التي تصل ما بين دمشق ومحيطها، أما الثالثة قطر، فقد سجلت موقفاً متلوناً ففي وقت أعلنت الدوحة فيه عن دراستها لموقفها من عودة سورية للجامعة العربية تبعاً «للإجماع العربي، والتغير الميداني على الأرض الذي يحقق طموحات الشعب السوري»، عادت لتؤكد أن «الأسباب التي دعت لتجميد عضوية سورية لا تزال قائمة»، والراجح أن موقف الدوحة، هذا الأخير، مرتبط إلى حد بعيد بتذبذب مسار التطبيع- السوري التركي الذي لا يزال يلقى معوقات يبدو أن من الصعب إيجاد حلول لها قبيل 14 أيار المقبل الذي ستكون فيه تركيا على موعد مع حدث قد يكون الأهم، بالنسبة إليها، في السنوات الـ22 المنصرمة من هذا القرن.

وفق الحصيلة التي وضع أطرها الرئيس الأسد في حديثه آنف الذكر لقناة «روسيا اليوم» فإن ما تراكم في الجعبة السورية من «علاقات ثنائية» يبدو مشجعاً لتحقيق انفراجات شتى وفي العديد من الاتجاهات، ومسألة عودة سورية للجامعة العربية قد لا تضيف الكثير إلى ذلك التراكم، هذا إذا قيس الأمر بمقياس المصلحة الوطنية السورية، أما إذا قيس ذلك بمقاييس «النظام الإقليمي العربي»، و«الأمن القومي العربي» فمن المؤكد هو أن دمشق خاسرة وكل العرب معها خاسرون، لكن الكرة الآن ليست في ملعبها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن