ثقافة وفن

الشاعر الأمير سيف الدولة الحمداني.. شجاعة وكرم وفروسية

| د. رحيم هادي الشمخي

يُجمع المؤرخون على أن سيف الدولة الحمداني كان ينفرد بسمات لم تتوافر عند أحد من الملوك والأمراء المعاصرين له، الشعر والشجاعة التي شهد لها الأعداء قبل الأصدقاء وسجلها بإعجاب شديد المؤرخون البيزنطيون والعرب على السواء، والكرم الذي لمسه القاصي والداني، الأصدقاء والغرباء في داخل دولته وخارجها، فحافظ على الوجود القومي العربي في عصر سيطر فيه الأعاجم على مقاليد الخلافة العباسية، فأقام دولة عربية شامخة ووقف إلى جانب الخلافة العباسية في محنتها ضد الفرس والترك والديلم وغيرهم، ودفاعه عن أرض العرب وكرامتهم، وقد أشار شاعرنا (أبو الطيب المتنبي) إلى ذلك عندما خاطب سيف الدولة قائلاً:

رفعت بك العرب وصيرت
قمم الملوك مواقد النيران
أنساب فخرهم إليك وإنما
أنساب أصلهم إلى عدنان

لم يقف (سيف الدولة) متفرجاً على ما يجري في مجلسه من مناقشات أدبية وعلمية، وإنما كان عنصراً فاعلاً فيه، وتؤكد المصادر الأدبية هذه المسألة بالإشارة إلى الحقائق التالية، كان سيف الدولة ذواقاً للشعر والأدب ولم يكن يعتمد في تقويم الشعراء ومواهبهم على وزرائه ورجال حاشيته كما هو حال معظم الملوك والأمراء المعاصرين له، وإنما كان يعتمد على ذوقه الخاص وثقافته الأدبية، كان (سيف الدولة) نفسه (شاعراً)، حيث قال شعراً جميلاً، ولاسيما في ميدان الشعر الوجداني، وفي (الإخوانيات) وقد روى الثعالبي أبياتاً كثيرة من شعره، منها ما قاله في زوجته الرومية الأصل التي أسكنها في بعض حصونه:

راقبتني العيون فيك فأشفقت
ولم أخل قط من إشفاقي
رب هجر يكون من خوف هجر
وفراق يكون من خوف فراق

وكان (سيف الدولة) ناقداً للشعر في مبناه ومعناه، مثلاً كان معجباً بـ(ميمية المتنبي) التي خاطبه فيها بعد انتصاره في معركة (الحدث) والتي جاء فيها:

وقفت وما في الموت شكّ لواقف
كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة
ووجهك وضاح وثغرك باسم

ومن الإخوانيات ما كتبه (سيف الدولة) إلى أخيه (ناصر الدولة):

رضيتُ لك العلياء وقد كنت أهلها
وقلت لهم بيني وبين أخي فرقُ

توفي هذا الشاعر الشجاع والكريم والفارس (سيف الدولة الحمداني) على فراشه في عام 352ه/967م ونُقل إلى مسقط رأسه في مدينة (ميافارقين) حيث دُفن في مقبرة أمه، بعد أن وُضع رأسه –بناء على وصيته- على لبنة كانت قد صُنعت من (نفض غبار غزواته) الذي كان يجتمع عليه في معاركه ضد البيزنطيين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن