ما لا تطيقه واشنطن..
| بيروت – محمد عبيد
لم يَمَل بعض الإعلام العربي وخصوصاً منه «المُسَعود» من محاولة بث معلوماتٍ مفبركة حول خلافات إيرانية-روسية فيما يتعلق بكيفية مقاربة الأزمة في سورية ومساحات النفوذ المفترضة لكلا الطرفين. ولا يَكَلُ هذا الإعلام من سعيه إلى تكريس فكرة لدى بعض الرأي العام العربي المُضَلل مفادها أن دعم قوتين عظميين دولية وإقليمية لسورية ولجيشها بالأخص يؤدي إلى إمساك هاتين القوتين كلٌ على حدة بمفاتيح القرار والسيادة في دمشق. وفي الحقيقة، فإن هذه المحاولة وذاك السعي ليس سوى جزء من سيناريو سياسي-إعلامي مكرر تم استعماله في برنامج ما سمي «الربيع العربي» في بعض البلدان العربية وهدف إلى توهين الشعور الوطني والقومي بوجود الدولة ومؤسساتها وسقوط قدرتها على الحفاظ على وحدة أراضيها أو تماسك نسيجها الاجتماعي، كذلك تضعضع قواها الأمنية والعسكرية وبالتالي تراجع قدراتها في الحفاظ على الاستقرار والنظام العام إلى ماهنالك من دعاية سياسية وإشاعات لتحقيق نجاحات من خلال الحرب الإعلامية- النفسية عجزت القوى الدولية والإقليمية نفسها المؤسِسة والممولة والداعمة للإرهاب التكفيري الأداة المتقدمة لهذه القوى على الأرض السورية عن إنجازها.
على أي حال، لم تُخفِ هذه القوى غضبها وتوجسها من اللقاء التاريخي الذي جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والإمام السيد علي الخامنئي في طهران والذي حسبما تؤكد كل المعطيات أن الرئيس السوري بشار الأسد كان ثالث الحاضرين لجهة تأكيدهما أنهما لايريان سورية من دون رئيسها بل إنهما يرضيان بما يرضى به ويرفضان مايرفضه، وقد ترجما ذلك عملياًعلى المستوى السياسي من خلال التمكن من إدارة الملف السوري دولياً وفق المعايير التي دأبت على تكرارها والتمسك بها القيادة السورية حول حصرية تقرير الشعب السوري لخياراته الدستورية والرئاسية، وهي المعايير التي شكلت أساساً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. مع ماسبق ذلك في اجتماعات فيينا من تصدٍ إيراني للمحاولات السعودية بالأخص تكريس أحقية ومشروعية بعض المجموعات الإرهابية المسلحة المشاركة في الحوار مع الحكومة السورية ومن ردٍ لبناني على الطرح الإماراتي الداعي إلى نقل النموذج الذي كرسته صيغة «اتفاق الطائف» كآلية دستورية لإعادة تكوين السلطة في سورية. كما ترجماه ميدانياً من خلال دعم ومساندة الجيش العربي السوري وحلفائه في استعادة زمام المبادرة عسكرياً وتحقيق الكثير من الإنجازات التي أعادت تكريس قوة هذا الجيش باعتباره من الجيوش النادرة في المنطقة والعالم الذي تمكن وعلى مدى خمس سنوات تقريباً من التصدي لهجمة شرسة اجتمعت على قيادتها وإدارتها ورعايتها على المستويات كافة قوى عظمى وممالك وإمارات ودول ومنظمات دولية وحركات إرهابية عابرة للقارات، ومما أثمر تغييراً جذرياً في خريطة السيطرة على الأرض وضرباً لرموز كالمجرم زهران علوش استثمر فيها النظامان السعودي والتركي طويلاً وكانت تُحضر للجلوس في مقاعد المفاوضين السياسيين.
لاتطيق واشنطن فكرة أن طهران وبعدما نجحت في تشريع وقوننة مشروعها النووي دولياً عبر التفاوض الثنائي معها والجماعي مع مجموعة 5+1 اختارت التحالف مع موسكو، فقد كانت تأمل وتتمنى صياغة علاقة تُمكِنها من تدجين إيران وإدخالها في منظومة الحلفاء-التابعين في المنطقة مع مايستلزمه ذلك من ضمانات إيرانية لأمن الكيان الإسرائيلي وهوالأمر الذي كانت طهران وما زالت ترفضه حتى لو كان الثمن سقوط كل تلك المفاوضات. ولا تطيق واشنطن أيضاً أن تنجح موسكو في استغلال الانكفاء الأميركي نتيجة سياسة «اللا قرار» التي اعتمدتها إدارة أوباما في المنطقة والدخول إليها من بوابة حلفاء أقوياء وصامدين كإيران وسورية ومن معهما، لكن الواقع أن مايتم تثبيته الآن سيرسم صورة المنطقة والنفوذ الدولي فيها لسنوات طويلة مقبلة يبدأ عدها مع أواخر الصيف القادم.