قضايا وآراء

تقارب أنقرة ودمشق.. بين المدخلات والمخرجات

| منذر عيد

استبقت الإدارة التركية اجتماع وزراء دفاع سورية وروسيا وتركيا وإيران، بالتأكيد على جملة من الأمور، التي تعكس أن لا تغير واضحاً في أجندتها عما سبق من اجتماعات سواء لوزراء الدفاع أم لنواب وزراء خارجية البلدان المعنية، الأمر الذي بدا جلياً في كلام وزير خارجيتها مولود تشاويش أوغلو عشية الاجتماع بقوله: «إننا لا نطمع في اقتطاع أجزاء من الأراضي السورية، ولا يمكننا الانسحاب من الشمال السوري إلا حين يستتب الأمن ويعود الاستقرار الكامل إلى تلك المناطق»، وهو ما يعكس ثبات الموقف التركي على استمرار الاحتلال وعدم الانسحاب من الأراضي السورية، وهذا يأتي بخلاف ما تؤكد عليه دمشق دائماً بقولها: «إن إعلان تركيا رسمياً وبشكل لا لبس فيه أنها ستسحب قواتها من الأراضي السورية كافة، والبدء بشكل فعلي بالانسحاب من هذه الأراضي هو المدخل لإعادة التواصل بين الجانبين».

اجتماع وزراء الدفاع مجدداً في موسكو، يأتي في ظل جملة من المتغيرات السياسية الإيجابية إزاء سورية، وخاصة بعد زيارة وزير خارجية المملكة العربية السورية فيصل بن فرحان إلى دمشق ولقائه الرئيس بشار الأسد، التي فتحت بشكل أو بآخر، مرحلة جديدة من العلاقات السورية- السعودية، والسورية – العربية، إضافة إلى انعقاده قبيل أسابيع من موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية المقررة في 14 الشهر المقبل، وهو ما يعكس أن عقد الاجتماع ليس إلا محاولة جديدة من الإدارة التركية لانتهاز الأجواء الإيجابية في المنطقة، واللحاق بركبها إن أمكن، والحصول على ورقة إضافية تكسبها شيئاً من الرضا الجماهيري الداخلي على عتبات الانتخابات.

لا نعمل على تكسير مجاديف قارب التقارب التركي – السوري، إلا أن ما تحمله أنقرة من مدخلات إلى معادلة الاجتماع يدلل وبشكل بديهي إلى النتائج، فحين يؤكد تشاويش أوغلو أن أنقرة لا يمكن أن تتخذ قراراً من شأنه وضع ما سماها فصائل المعارضة المتحالفة معها في مأزق، ويصدر الجانب التركي قراراً يقضي بتحويل الأراضي الزراعية في قرى رأس العين شمال غرب الحسكة إلى مناطق عسكرية بعمق 300 متر، كل ذلك يدلل على عدم جدية أنقرة في تذليل العقبات على طريق دمشق- أنقرة.

يتفهم الجميع استعجال الإدارة التركية للتقارب مع دمشق، وخاصة قبيل الانتخابات القادمة، إلا أن مقاربتها للأمور، وسعيها لحدوث التقارب لا يعكسان ذاك الاستعجال، بل إن كلام أنقرة لا يزال في سياق الأمنيات والتوقعات، وخاصة مع حديث تشاويش أوغلو من أن اللقاء بين الرئيس بشار الأسد ورجب طيب أرودغان قد يكون بداية الشهر المقبل، كلام يأتي في اتجاه واحد من دون النظر في رؤية ومقاربة الجانب السوري للأمور، إذ أكدت دمشق وعلى لسان الرئيس الأسد خلال لقائه وكالة «سبوتنيك» في 14 الشهر الماضي أن اللقاء: «يرتبط بالوصول إلى مرحلة تكون تركيا فيها جاهزة بشكل واضح ومن دون أي التباس للخروج الكامل من الأراضي السورية، والتوقف عن دعم الإرهاب وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل بدء الحرب في سورية، هذه هي الحالة الوحيدة التي يمكن عندها أن يكون هناك لقاء بيني وبين أردوغان، عدا عن ذلك، ما قيمة هذا اللقاء ولماذا نقوم به إن لم يحقق نتائج نهائية بالنسبة للحرب في سورية»؟

كذلك فإن ذاك الاستعجال مرتبط بمسألة اللاجئين، حيث تهدف أنقرة من وراء التطبيع إلى توفير مناخ آمن لبدء عودة اللاجئين، الذين تحولوا إلى ورقة سياسية ضاغطة بيد المعارضة التركية على حكومة حزب العدالة والتنمية، حيث استبق مرشح تحالف «الطاولة السداسية» المعارضة، وزعيم حزب «الشعب الجمهوري» كيليتشدار أوغلو، اجتماع موسكو بالقول: «سنرسل جميع اللاجئين في تركيا إلى بلادهم خلال عامين من استلامنا السلطة».

نتوقع ولا نتمنى، بأن لا جديد على اجتماع موسكو سوى حضور الجانب الإيراني، لأن حلول المشاكل بين أنقرة ودمشق وعودة العلاقات بينهما لا يحل فقط بالاجتماعات بل بما يحمله الجانب التركي إلى تلك الاجتماعات، وبأن الوصول إلى اجتماع قمة بين الرؤساء لا بد من أن يمر بتوافقات واتفاقات على المستوى الأمني أولاً، والتمهيد السياسي على مستوى وزراء الخارجية ثانيا، وأي حديث بخلاف ذلك يبقى كلاماً في الرغبات والأماني.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن