من دفتر الوطن

منصَّات التخريب الاجتماعي!

| فراس عزيز ديب

لو أردنا الحديث لغويَّاً عن معنى كلمة «منصَّة» لصادفنا الكثير من المعاني كالكرسي المرتفع، المكان الذي يعتليه الخطيب، وغيرها الكثير، لكن أهم ما نجده من معنى هو ذاكَ الذي يربط المنصة كمكان للتشهيرِ بشخص ما، هذا الشخص قد يكون خارجاً عن القانون والمنصة عبارة عن مدرجاتٍ خشبية أو حمار يجلس عليهِ الشخص المراد التشهير بهِ عكس الاتجاه ليمر عبر المدينة ويراه الجميع وهو ما كان يعرف زمن الاحتلال العثماني القميء بالتجريص أو كما تُلفظ في بعض الدول العربية بالتجريس.

قبل انطلاقِ آفة الفيديوهات المصورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي كنا نظن أن أسوأ ما قد تأتي به المنصة هي خطبة تحريضية لشيخِ فتنةٍ أو الخطابات الرنانة التي يطلقها سياسي ما وما ينتج عنها من تصفيقٍ وهتاف قد تتطور إلى انعقاد حلقات الدبكة فرحاً بالشعارات البرَّاقة، لكن في الأعوام الأخيرة بتنا نترحم على ما قد تنتجه لنا هذه المنصات من فكر قطيعي بحت عندما نرى ما يسمى المنصات الاجتماعية.

على مواقع التواصل الاجتماعي، فيديوهات بمسميات مختلفة يطلق عليها أصحابها أوصافاً أكاديمية كالتجارب الاجتماعية أو الدراسات الاجتماعية يصيبك معظمها بالقرف من الحال الذي وصلنا إليه لكنها تدفعنا لنسأل أولي الأمر منا بعض الأسئلة الملحة:

على أي أساس يتم التعاطي القانوني مع هذه المنصات؟ ما الأطر القانونية التي تحدد نطاق عملها لكي نعرف ما يحق لها وما لا يحق لها؟ هل تحصل هذهِ المنصات على تراخيص تصوير في الأماكن العامة لأننا نستغرب في بعض الأحيان قيام هذه المنصات بالتصوير بحرية كاملة بينما صورة تذكارية أمام نصب ساحة الأمويين ستفاجأ معها بأن هناك من سيطلب منك التوقف عن التصوير؟

من أين تأتي هذه المنصات بالأموال التي تقوم بتوزيعها هل هي فعلياً ناتجة عما تجنيه من أرباح المشاهدات؟ إذن هل يتم احتساب ضريبة دخل وغيره كما يتم التعاطي مع بائع بسطة فقير؟ أما السؤال الأهم فما الإمكانيات العلمية والبحثية التي يتمتع بها هؤلاء لادعاء إنشاء منصة لدراسة الحالات الاجتماعية؟ من الغريب أن يعمل هؤلاء بهذه الحرية، ترى هل ستكون النتيجة ذاتها فيما لو كانت التجارب سياسية أو معياراً.

حرية الرأي؟

نحن هنا لا نطرح هذهِ الأسئلة من باب المناكفات، لكن بعض المواضيع والأسئلة التي يتم تناولها تبدو ساقطة إلى حد هي أقرب للتشهير الذي يجرمه القانون السوري تحديداً، إن هذه التجارب كما يسميها البعض تستغل إلى حدٍّ بعيد حاجة الناس التي سببتها الأزمات المتلاحقة التي يعيشها المواطن السوري ما يضطره أحياناً للقبول بالقليلِ من المال على حين يتحول هو وقصته إلى قضية يجني منها أصحاب المنصات الكثير من المال لأنه أساساً يجهل ما له من حقوق وما عليه من واجبات.

في الخلاصة: لا علاقة للحرب بتفشي هذه الظاهرة، لا علاقة للحصار بترك هؤلاء يسرحون ويمرحون على هواهم من دون ضوابط، لنعترف بأن غياب القنوات التلفزيونية الخاصة القادرة على إبداع برامج تتعاطى مع كل هذه المشاكل هو أحد أهم الأسباب لظهور هؤلاء، لكن هل علينا انتظار انتهاء الأزمة حتى نرى الحل؟ نتمنى أن يكون التحرك أسرع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن