ثقافة وفن

مستقبل سورية وسكان الوهم

| إسماعيل مروة

تصدمك طرائق التفكير التي يتحدث بها العرب في السياسة، خاصة تلك الطبقة التي لم يسمع بها أحد في مجريات النبوغ والتفوق، وفي طبقة من المحللين السياسيين وما أدراك من تسميات التي تعيش على مائدة مؤقتة سينتهي ما عليها فور انتهاء الحاجة إليهم، وعندما تأتي الحلول، وتتوافق الدول ومصالحها، فإنه لن يبقى لهذه الطبقات في الداخل والخارج أي ضرورة للاستمرارية، وفي الوقت نفسه ستشكل عبئاً على المشغلين الذين انتهوا منها ومن مسوغات وجودها، وأتحدث عن طبقة محددة لأسباب عديدة، لأن هذه الطبقة من الخبراء نبتت نبتاً طفيلياً طحلبياً ومصلحياً، وربما كانت مصلحتها آنية وذاتية، وهي تريد أن تجمع ما يمكن جمعه قبل أن ينتهي مفعولها..! منذ بداية ما يسمى بالربيع العربي ظهر في مصر وليبيا واليمن وسورية والعراق مجموعة كبيرة من الخبراء والمحللين، وجميعهم إما واحد انتهى مفعوله في مكان فتحوّل إلى الإنشاء والشتم، أو طامح لموقع ما وليس من شأنه إلا أن يرغي ويزبد ويشتم، وجميعهم بجملتهم لا يملكون أرضية فكرية أو علمية أو معرفية أو تاريخية أو جغرافية، ومع ذلك يتصدرون للحديث في قضايا ليس مطلوباً منهم أن يتحدثوا فيها، أتتذكرون الخبير العسكري الاستراتيجي العربي على إحدى القنوات حين وضع الكمبيوتر أمامه وقال: (خرج الثوار مباشرة إلى أقرب نقطة من الزبداني إلى إدلب)!

أتذكرون الشيخ السوري الذي كان موضع إجلال لأنه خبير بالقراءات عندما بدأ يتحدث منذ سنوات على قناة تلفزيونية، فتحدث عن الميدان، وهو من قاطنيه وليس من أهله، ليقول بأن هذا الحي هو أصل دمشق وأعرق أحيائها! ونسي هذا الشيخ الجليل أصل الميدان كمنطقة تجارية وملتقى لكل أبناء سورية، وربما لم ينسَ، ولكنه لا يعلم..! أتذكرون تلك النبرة العالية الواثقة لعدد كبير من الذين ظهروا على الشاشات من مسؤولين سابقين وضباط سابقين وأكاديميين مستزلمين سابقين؟ جميعهم على ما يبدو دخلوا في إطار الحركة السياسية وارتقوا وظيفياً ليصبحوا في أماكن كبيرة، لكنهم في حقيقة الأمر لا يعرفون شيئاً عما قاموا به، وربما لم يعرفوا السبب الذي جعلهم في الواجهة مدة من الزمن، ومن ثم تمت إزالتهم، وكل أسباب حردهم وغضبهم كانت لانتهاء أدوارهم، وهم الذين لا يملكون أرضية علمية في ميادينهم تؤهلهم للعودة إلى الحياة الطبيعية! فعدد المسؤولين الذين إن غادروا مواقعهم بقوا عاطلين عن العمل أكبر من أن نحدده، أما إذا جئنا إلى الطبقة الطحلبية، وجميعنا رأى من هؤلاء، وربما جلس مع بعضهم وعمل، فهذه الطبقة أساساً تم استنباتها، ولا أقصد في الخارج وحده، تم استنباتها من باب إحياء الأرض الموات لعدد منهم قبل أن يلفظوا أنفاسهم الأخيرة للاستفادة مما بقي، وبعضهم لا عمل له، وهو مستعد لعمل أي شيء للوصول إلى غايات ومكاسب ومناصب! وكلنا يعرف عدداً لا بأس به من هؤلاء في الداخل والخارج عمل على هذا الأمر، وحصّل بعض المكاسب الآنية، وصار اسمه متداولاً هنا أو هناك، وأخذ مجموعة من المكاسب والامتيازات والأموال..

بعد اثنتي عشرة سنة من الحرب على سورية، وتعرض سورية لزلزال مدمر بدأت بوادر الحلول من المحيطين العربي والإقليمي، وذلك بعد إخفاق جملة ا لأهداف التي من أجلها كانت الحرب، سادت فترة من الصمت دون أن يكترث واحد من هؤلاء للناس وآلامهم، فقد اغتنوا على حساب دماء السوريين، وغيّروا البيئة الاجتماعية بمنتهى الفجور، بعد كل هذه السنوات نجد تيارات عدة، من أهمها ما تابعناه من ندوة لباحثين فرنسيين، قام بعرضها وترجمتها بأمانة سامي كليب بخبرته ومعرفته، والتي تفضح الدور الأوروبي والفرنسي تحديداً في كل المناطق العربية في ربيع مزعوم، ويستعرض الدور الفرنسي المطبّل والمزمّر من ساركوزي إلى اليوم، ويصل إلى الدور الباهت والتابع في الحرب الأوكرانية والموقف من سورية، والقارئ الحقيقي تستوقفه هذه الندوة يقف لمراجعة أوراقه على الأقل، ولكنك تطلع مباشرة على محلل يدعي بأنه خبير سوري يحلل التقارب السوري العربي في المحيط العربي، ويعلّق على الدول التي تتقارب مع سورية بأنها دول ديمقراطية، وهو نفسه كان يتحدث عن عظمة ديمقراطيتها قبل شهور! واليوم يقول: بقيت خمس دول عربية تتمتع بالديمقراطية لم توافق ولن توافق إضافة، برأيه إلى الاتحاد الأوروبي، وتركيا الديمقراطية!! ويرى أن الواقع سيبقى شوكة في حلق الدولة السورية! فصديقنا يقول: على الرغم من أن هذه الدول التي تتقارب مع الدولة السورية اليوم أعطت المعارضة! لكنها لم تعطها ما يغير الواقع! والسبب برأيه بأنها دول غير ديمقراطية، ويبدو أن صديقنا المحلل يريد من الدول أن تسجل باسمه أرامكو وسواها ليغير الواقع برأيه!!

رحل كثيرون وهم يبتسمون ويهللون، وغاب كثيرون، وسيرحل آخرون، ويبدو أننا ما نزال على ثقافتنا بأن الجهابذة عندنا مفصولون عن الواقع، ولا يسمعون سوى أنفسهم، ولا يرون إلا أوهامهم!

وماذا سيقول هذا المحلل عندما تتحول دولة الديمقراطية عن ديمقراطيتها التي ألبسها إياها؟!

نحتاج إلى إدارة المعركة الإعلامية بوسائل أخرى جديدة علمية وشفافة تعرّي الواقع كما فعل الأوروبيون لا كما نفعل ويفعل سكان الوهم!!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن