المعهد العالي للفنون المسرحية يحتفي بمسيرته الفنية الثرية … رفيق علي أحمد: زيارتي للمعهد العالي أعادت لي شغف العمل للمسرح وسأنجز عملاً مسرحياً
| مصعب أيوب
زادته الأيام نضجاً وخبرة وصقلته السنون والتجارب حتى غدا من القلة التي تحفظ ما تبقى من المسرح وماء وجه التمثيل، ورغم بياض شعره إلا أن تقدمه بالعمر يزيده وسامةً ونضارة.
يؤمن أن الدراما موجودة في شتى نشاطات البشر ويهتم بقراءة ما بين السطور ويوظف كل إمكاناته في خدمة وهدف العمل، عرفه الجمهور السوري في مسلسل الزير سالم بشخصية كليب الملك الحازم المتسلط الذي لا يعرف الضحك، وتتالت مشاركاته في الدراما المشتركة ومؤخراً دوره في مسلسل الهيبة بشخصية ناظم.
ساعتان من الزمن كانتا كفيلتين لينقل الفنان اللبناني رفيق علي أحمد لطلاب المعهد العالي للفنون المسرحية أهم النقلات النوعية والمراحل المهمة في مسيرته الفنية، ليقدم خلالها رؤاه حول الفن والمسرح على خشبة مسرح سعد اللـه ونوس عند الساعة الرابعة من يوم الخميس 27 نيسان الجاري، فجاء الملتقى ليبوح بما يدور في داخله ويستذكر مع الطلاب محطات فنية عدة.
قرار بالعودة للمسرح
افتتحت الزيارة بجولة على بعض القاعات التدريبية في المعهد وبعدها حضور بعض العروض التمثيلية لطلاب قسم التمثيل، ومن ثم كورال موسيقي وبعض الأغاني التراثية ومن ثم عرض راقص لطلاب قسم الرقص.
بداية الحوار انطلقت بعرض فيلم توثيقي تناول بعض الشخصيات التي قدمها رفيق في المسرح والتلفزيون خلال مسيرته الفنية، ومن ثم عرف الضيف الحضور بحكايته مع الفن منذ بداياته بالحديث الذي أداره الناقد سعد القاسم، مبيناً أن الملتقى حرك في داخله الشغف للمسرح وخلق لديه الحنين لأيام المسرح الجميلة، وأنه من الصعب الحديث ضمن وقت ضيق عن العمل المسرحي الذي قضاه خلال 52 عاماً.
تحدث الضيف عن بداياته والعروض المسرحية التي قدمها داخل لبنان وخارجه وعن الصعوبات التي عاشها، ولاسيما أنه ينحدر من قرية بعيدة عن العاصمة من قضاء النبطية في جنوب لبنان ويعيش حياة ريفية بحتة يبتعد أهلها عن أي مظاهر فنية أو مسرحية، إضافة إلى غياب ونقص التمويل والدعم المادي ما أضطره في أحيان كثيرة ليكون هو المخرج والمؤلف والممثل وحتى مصمم الديكور، إضافة إلى غياب القاعات التدريسية الخاصة والمؤسسات الأكاديمية المعنية في هذا المجال وإلى غياب المراجع المختصة وصعوبة التنقلات والتواصل وغياب الإنتاجات المسرحية، وهو ما خلق لديه تحدياً كبيراً للوصول إلى شغفه وحلمه.
وقال أيضاً: أنا متشوق للقاء الطلاب والتجول داخل ممرات المعهد وقاعاته وسأقضي وقتاً ممتعاً في دمشق القديمة وأزقتها، وأنا شاركت ما يقرب عشرين عملاً تلفزيونياً سورياً، على حين مشاركاتي التلفزيونية اللبنانية تحصى على أصابع اليد الواحدة، وأضاف: أنا لا أعترف باتفاقية «سايكس بيكو»، فنحن شعب واحد ولدينا روابط بالروح والدم والوجدان بعيداً عن الشعارات السياسية التي لا ألقي لها بالاً، فأنا من جنوب لبنان ويجاورني سهل حوران وكذلك شمال فلسطين والفنون واحدة في بلاد الشام من الرقص والغناء والتمثيل والأزياء وثقافتنا واحدة ونعيش في خليط مجتمعي واحد، وأنا عندما آتي إلى دمشق لا أشعر أنني قادم إلى بلد غريب إنما أعتبر نفسي أتنقل من مدينة إلى مدينة أخرى، في بلد واحد.
كما أشار إلى أن اللقاء اليوم ضمن المعهد العالي بحضور طلابه المتحمسين أوجد عنده دافعاً لإنجاز عمل مسرحي قريباً بعد أن كان قد انكفأ عن المسرح منذ قرابة سبع سنوات.
وأوضح أنه لا يجد غرابة فيما يخرّجه المعهد من مبدعين، لأن الطلاب وحماسهم وجدية عملهم لا بد أن تترجم بأعمال مبهرة ومميزة، وأنه كمسرحي فخور بهذه المؤسسة العظيمة وبالقائمين عليها وبطريقة تدريسهم والنتائج واضحة للجميع بما نراه على الشاشات.
وأبدى إعجابه الشديد بالمعهد وبأقسامه والمستوى العالي للمعهد وتجهيزاته ومعداته وكفاءة كادره، مؤكداً أن الدراما السورية ربما خفتت قليلاً خلال سنوات الأزمة لكنها حافظت على وهجها ونجوميتها ومؤخراً استعادت موقعها لصدارة المشهد الفني.
بداياته التلفزيونية
أوضح أحمد أنه بقي معتكفاً للعمل المسرحي قرابة عشرين عاماً حتى بدأت الدراما التلفزيونية تتسع رقعتها ويزداد جمهورها، فبدأ بعض الزملاء التواصل معه للمشاركة في أعمال درامية للتلفزيون ومنهم سلوم حداد وأيمن زيدان وفايز قزق وكانت البداية بشخصية كليب في مسلسل الزير سالم، وبين أن أكثر ما جذبه للعمل هو النص الجيد المكتوب باللغة العربية الفصحى والبسيطة، وأشار إلى أن مشاركته هذه كشفت له جوانب كثيرة لم يكن يعلمها وأهمها أن العمل للدراما التلفزيونية مجد مادياً مقارنة بالعمل في المسرح، وربما يصفه البعض بالتحصيل السهل للأموال من خلال أداء دور تمثيلي، وتابع أنه بعد تحصيل بعض الأموال التي لا بأس بها من تصوير مسلسل ما كان يستثمر تلك الأموال بإنجاز عمل مسرحي كان من الصعب أن يجد له الممول المهتم، وختم أن الزير سالم وضعه على الشاشة العربية ولاسيما أنه حقق نجاحاً ساحقاً ومستمراً حتى اللحظة.
تخلل الملتقى أسئلة واستفسارات لبعض الطلاب أجاب عنها أحمد وضرب أمثلة عليها من خلال تجربته الخاصة، مقدماً بعض النصائح للطلاب والتي تعد دروساً عملية تسهم في تكوين شخصية الطلاب الفنية ولها عظيم الأثر في نفوسهم، كان منها أنه وجه كلامه لكلّ شخص يولد وفي قلبهِ الحب والشغف لمجال وفن التمثيل أن يسعى دائماً للأفضل ولا يتردد بأي شيء على الإطلاق، وأنه لابد أن يكون الممثل متمكناً من أدواته ولديه مرونة وليونة جسدية، وختم قائلاً: حافظوا على شعلة الشغف بداخلكم.
الشغف الحقيقي بالمسرح
عميد المعهد العالي للفنون المسرحية الدكتور تامر العربيد أكد أن الملتقى يعني الكثير للمعهد ولطلابه، مبيناً أن اللقاءات المستمرة التي ينظمها المعهد تضيف الكثير للطلاب وتركز على الأهمية المعرفية من خلال وجود قامات فنية في المعهد يتعلم الطلاب من تجاربهم ومسيرتهم ومخزونهم، وأشار إلى أن أحمد مسرحي بحت وصاحب مشروع فني وفكري.
وتابع: إن أحمد برع في مجالات فنية عدة لكن المسرح بقي شغفه الحقيقي وقدم على خشبته أعمالاً هائلة الجمال، وعبر عن آلام وهموم وطموحات أبناء جلدته.
كما أضاف أيضاً: إن خمسة عقود من العطاء والإبداع أمضاها أحمد في المسرح والفن لا بد لنا أن نسعى لتأكيد الوفاء له ولكل الأسماء والقامات التي أسست المسرح ومهدت الطريق أمام الجيل الجديد تاركةً لهم إرثاً عظيماً.
الحوار لقاء أكاديمي
من جانبه الناقد سعد القاسم قال: أنا من جيل محظوظ ممن كان لهم شرف حضور ومتابعة علامات فارقة في تاريخ المسرح، ومن أهمهم رفيق علي أحمد في 1991 خلال العرض الاستثنائي والمذهل الذي عرض على مسرح الحمراء تحت اسم الجرس وهو من أكثر العروض التي بقيت عالقة في أذهان أبناء جيلنا.
وبين أن وجود فنان كهذا في المعهد مهم جداً ويعد جزءاً من العملية الدراسية لأنه لقاء أكاديمي يخبر فيه الفنان عن تجربته الفنية الغنية فيما يتعلق بإعداد الممثل الناجح والعلاقة بين الممثل والجمهور.
وأردف: إن أحمد فنان مبدع بكل المقاييس وصاحب تجربة مسرحية رائدة، ومسيرته الفنية العريقة توجت بالعديد من المشاركات الدرامية والمسرحية التي أضاف لها الكثير بإبداعه وبراعته من خلال الغوص في شخصياته وكل ما يدور في خوالجها.
مؤتمر صحفي
عن رأيه في الدراما المشتركة بيّن أحمد أن الجانب الجميل فيها أنها تفسح المجال أمام وجوه مختلفة من بلدان عدة لأن تلتقي وربما تخلق لديهم نوعاً من التلاحم الفني والثقافي، ما يسهم ذلك في إزالة الحواجز النفسية، وأفاد: إن طبيعة لبنان المركبة جعلته منفتحاً على الثقافات الغربية وهو شيء جميل، فممكن أن نجد كل أنواع المسرح في لبنان حيث لكل نوع جمهوره الخاص، وبين أن الممثل لا يستطيع أن يفرض شروطه في العمل التلفزيوني نظراً لكثرة القائمين على إنتاجه بدايةً من المخرج مروراً بالمنتج والمؤلف وغيرهم الكثير على عكس المسرح، كما نوه بأن العمل الذي تتوافر له العناصر الإنتاجية الكاملة لا بد أن يحقق النجاح المنشود، وأكد أن الطاقم الفني السوري متميز عربياً وقادر على إنجاز أعمال فنية خالدة نتيجة خبرته وتجربته الطويلة.
وأشار إلى أن مسلسل الزند عمل مكتمل العناصر من الصورة إلى الإضاءة والإخراج والفنانين الذين في مقدمتهم تيم حسن الذي استطاع عبر 5 أجزاء من مسلسل الهيبة أن يبقى محافظاً على جمهوره، وظل ممسكاً بيده ليجعل الأنظار متجهة إليه وتنتظر خروجه للشاشة الصغيرة فهو فنان مجتهد ونشط.
وفي الختام قدم د. العربيد درع المعهد التقديري للضيف تكريماً له على مسيرته الفنية الثرية وإبداعه واحتفاء بمشروعه الرائد.