ثقافة وفن

«خريف عمر» حوارات دافئة وأحداث مشوقة تخللها بطء في سير الأحداث

| مصعب أيوب

قلة هم المخرجون الذين تشكل أسماؤهم دافعاً رئيسياً لمشاهدة أعمالهم، ويأتي المخرج السوري المثنى صبح ضمن هؤلاء، ومن بعض أعماله جلسات نسائية ودانتيل وسوق الحرير2 وليس سراباً والعديد من الأعمال في الدراما السورية والعربية ومؤخراً في المسلسل السوري خريف عمر الذي استطاع أن يحجز له مساحة جيدة في قائمة المسلسلات الدرامية لشهر رمضان الحالي مؤكداً بذلك أن الدراما السورية قوية ومستمرة وحاضرة رغم الظروف العصيبة.

انتقام مؤجل

يجذب العمل المتابع منذ الحلقات الأولى بمحوره الأساسي القائم على سلسلة الجرائم المتتالية، وعلى الرغم من كثرة الشخصيات إلا أن لكل شخصية دوراً رئيسياً محدداًً وواضحاً، يجعل المشاهد في حالة ترقب دائم لما سيحدث.

العمل اجتماعي بطابع بوليسي وقالب تشويقي، من خلال الجرائم المتتالية التي يقترفها بطل القصة المحامي المتقاعد عمر الدالي «سلوم حداد» بأسلوب منظم ودم بارد، بعد أن عادت به الذاكرة ليستذكر من شارك في مقتل أخته وتستر على تلك الجريمة بداية من رمز الفساد والتجاوزات هشام عنابة «أسامة الروماني» صاحب النفوذ والمال مروراً بالطبيب الشرعي والمختار وغيرهم الكثير ممن كان له يد في دم أخته.

ظواهر حياتية عدة

يخترق العمل حياتنا اليومية فيلامس مواقف وتفاصيل نعيشها بشكل دائم، ويضع بعض المشاكل تحت مجهر المشاهد وكأن مخرجه يثبت كاميرا عند كل بيت وعلاقة وظاهرة فتنقل لنا كل التطورات والتغييرات، ويغوص في تفاصيل الظواهر المعاصرة التي منها المراهنات حيث وجدنا رائد «عبد المنعم عمايري» مولعاً بها ويقضي وقته كله فيها، وأضاء العمل أيضاً على موضوع تعنيف المرأة التي من أمثلتها «نورا» الهاربة من ظلم وتسلط زوجها الذي كان يبرحها ضرباً فاضطرت لمغادرة منزله إلى غير رجعة لتلجأ إلى جمعية نسوية لرعاية المعنفات والتي كانت تتسلم إدارتها سمر «ترف التقي» فتكون والدتها الغائبة منذ سنوات عدة إحدى تلك النساء المعنفات في الحلقات الأخيرة.

وثمة حكايات أخرى سلط العمل الضوء عليها من جملتها ما يطرح حول الهوية والانتماء ومنها قضية قصي الذي يجد نفسه فجأة في عداد الموتى في السجلات الرسمية فيبدأ رحلة إثبات هويته ونسبه، كما كان لقصص الحب التي تنمو على هامش المراهقة نصيب وافر في العمل فتجسدت في علاقة حليم القادم من لبنان رفقة والدته ميرفت فيقع في علاقة غرامية مع زميلته على مقاعد الدراسة.

كما تطرق العمل لمهنة الإعلام التي قلما يحكى عنها في الدراما، فتجسدت من خلال شخصية الإعلامي الانتهازي مهند شلبي «معتصم النهار» الذي يستغل كل صغيرة وكبيرة لإثبات نفسه والوصول لمأربه وتحقيق غاياته، ويقحم نفسه في مواضيع شائكة، وهو ما لاقى الكثير من الانتقاد واستغربه البعض معتبرين أن مهنة الإعلام لا تحظى بهذه التسهيلات والدعم.

أداء متقن

على صعيد الأداء لا يبدو كل من سلوم حداد وباسم ياخور بعيدين من حيث الخطوط الدرامية الرئيسية للدور عن شخصية كل منهما في العربجي، فيبرز حداد للوهلة الأولى بالرجل اللطيف والهادئ شكلاً على حين أنه يضمر الشر والأحقاد الدفينة التي خبأها في ذاكرته منذ سنين بعيدة، فيقوده ذلك لاقتراف العديد من جرائم القتل، في حين يرسخ ياخور دور رجل الأمن الصالح الذي يسعى لكشف الحقائق بعيداً عن مظاهر الفساد ويعمل بجد وتفانٍ، ولاسيما أن الكثير من جرائم القتل التي اقترفها المحامي عمر الدالي كانت تدور بشكل أو بآخر حوله، فيسخر كل منهما أدواته ليندمج مع الشخصية متفوقاً على نفسه.

بينما تحجز الوجوه الشابة موقعاً لا بأس به في صدارة المشهد تجلت في شخصية ناديا «آية مرعي» التي تجمعها علاقة حب بالمقدم فارس زين الدين «باسم ياخور» وكذلك حليم «ميخائيل صليبي» وأصدقاؤه.

وتميز العمل بالتفاصيل الدافئة والحوارات العميقة، وكان أبرزها علاقة عمر بابنته ميرفت وأنشطتهما اليومية معاً والمسامرات الجميلة التي كانا يقضيانها ضمن أجواء عائلية حميمية، كما تجلى ذلك أيضاً في علاقة عمر بأصدقائه الذين تجمعه بهم علاقة قديمة منذ أيام الدراسة ومنهم تيسير إدريس وحسن عويتي وكارمن لبس فبدت قصص المسلسل قريبة من واقعنا ولم تخرج عن المألوف.

آراء متفاوتة

عبر مواقع التواصل الاجتماعي يرى البعض أن العمل جسّد الواقع اليومي للإنسان السوري، مسلطاً الضوء على قضايا الفساد والإجرام، في حين يتهمه البعض الآخر بالبعد عن الواقع، ولاسيما من خلال مكاتب التحقيقات التي تم تصوير المشاهد فيها فبدت شبيهة بمكاتب الأمن التي نراها في الأفلام الأميركية بالإضافة للاستعانة بالعنصر النسائي في ذلك وهو ما بدا غريباً بعض الشيء، كما لم يسلم العمل من بعض الحشو الذي كان ينفر المشاهد أحياناً بالإضافة للبطء المقصود في سير الأحداث، ولكن القصة مشوقة وتمسك به وتعيده مجدداً بأساليب بسيطة وبلغة الحياة اليومية، كما تعرض العمل لبعض الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي لكثرة الغموض في قصته ووصفه البعض بالتائه وغير المدروس وبحاجة إلى سلاسة أكثر، كما لم يقدم العمل حلولاً للمشكلات التي يعرضها ولكن يشير إلى المسارات الضرورية لمواجهة هذه المشكلات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن