حذر تقرير للأمم المتحدة من أزمة مياه عالمية تلوح في الأفق لحدوث نقص بها؛ ويقول إن العالم «يسير بشكل أعمى في طريق خطير، بسبب الإفراط في استهلاك الماء والنمو السكاني». ويأتي نشر التقرير قبل أول قمة رئيسية للأمم المتحدة حول المياه باستضافة من بلدية نيويورك؛ وحضرها آلاف الخبراء بنهايات الشهر الماضي.
وقال تقرير أمين الأمم المتحدة: «إن المياه شريان حياة البشرية، يتم استنزافها بسبب الاستخدام غير المسؤول للمياه ما يهدد استدامتها». ويحذر من أن «الندرة أصبحت مستوطنة» بسبب الاستهلاك المفرط والتلوث، في حين أن الاحترار العالمي سيزيد من نقص المياه الموسمي في مناطق ذات وفرة بالمياه تحت ضغوط الإفراط».
وتابع التقرير: «إن حوالي 10 في المئة من سكان العالم يعيشون حالياً في مناطق تعاني من إجهاد مائي مرتفع أو حرج؛ يصل إلى 3.5 مليارات»! ويستفاد أن نصف سكان العالم تقريباً يعانون حالياً من ندرة حادة في المياه لفترة معينة في السنة على الأقل؛ وإذا لم نعالج الأمر، فستكون هناك أزمة عالمية».
هناك ما يكفي من المياه على هذا الكوكب إذا قمنا بإدارتها بشكل أكثر فاعلية مما فعلناه خلال العقود القليلة الماضية». «أعتقد أنه سيتعين علينا إيجاد نماذج حوكمة جديدة ونماذج تمويل جديدة ونماذج جديدة لاستخدام المياه وإعادة استخدام المياه أكثر من أي وقت مضى. أعتقد أن التكنولوجيا والابتكار سيلعبان دوراً كبيراً للغاية بالنظر في كيفية إدارة قطاع المياه واستخدام الماء».
دعـونا نتعـرّف عـلى مصطلحين حديثين بهذا السياق:
الماء الافتراضي ويستخدم للإشارة إلى استهلاك المياه الافتراضي (ضمن البضائع الاستهلاكية)؛ ويمكن تعريفه بأنه حجم الماء العذب المستخدم لإنتاج منتج ما ويشير إلى الكمية الكلية في الخطوات المتعددة للإنتاج. على سبيل المثال، يلزم حوالي 1600 متر مكعب من الماء وسطياً لإنتاج طن متري واحد من القمح. وكان البروفيسور جون أنتوني آلان من كلية كينجز لندن أول من طرح هذا المفهوم.
أما البصمة المائية (بالإنكليزية: water footprint فهي مقياس لكمية المياه المستخدمة لإنتاج كل من السلع والخدمات التي نستخدمها مثل المنتجات الزراعية والملابس وغيرها. ويمكن قياسه لعملية واحدة مثل زوج من الجينز، وبصمة المياه يمكن أيضاً أن تخبرنا عن كمية المياه التي يستهلكها بلد معين – أو على الصعيد العالمي – في حوض نهر معين أو من طبقة المياه الجوفية.
ومن المفيد أن نعـرف أنّ الماء يغطي ما يقرب من ثلاثة أرباع سطح الكوكب وتوجد المياه في حالات صلبة وسائلة وغازية. وهي تكون بشكل الأنهار الجليدية والمستنقعات والبحيرات والأنهار والبحار والمحيطات. وحوالي 97 بالمئة من جميع مياه الكوكب مالحة وتوجد في المحيطات.
ويشبه الخبراء الإفراط في استهلاك المياه الحالي بطريقة «مصاصي الدماء» الذين يجففون شرايين الحياة.
الأزمة عالمية رغم أن هناك مناطق تعاني أكثر من مناطق، والدول العربية من بين الأكثر تأثراً. ووفقاً لتقرير مناخي صادر عن الأمم المتحدة هذا الشهر أعدته لجنة خبراء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإن نصف سكان العالم تقريباً يعانون حالياً مما يعرف بالندرة الحادة بالمياه (لجزء من العام على الأقل). ويقول الخبراء إن الطلب العالمي على المياه العذبة سيتجاوز العرض بنسبة 40 في المئة بحلول عام 2030. وتزداد الصورة تعقيداً مع الزيادة المستمرة في عدد سكان العالم التي تضغط على الموارد الطبيعية.
الأمن المائي يعد من بين أهم وأخطر التحديات التي تواجه العالم العربي، الذي توجد العديد من دوله في مناطق تعاني من ندرة في الموارد الطبيعية. فرغم أن سكان المنطقة العربية يشكلون ما يقارب 5 في المئة من عدد سكان العالم، فهم يملكون أقل من واحد في المئة فقط من مصادر المياه العالمية. وحسب تقارير الأمم المتحدة، فإن 19 من بين 22 دولة عربية توجد في نطاق شح المياه (الفقر المائي)، أغلبها يهدده شبح الجفاف بحلول عام 2040 إذا استمرت الأمور على هذه الوتيرة. فالعالم العربي من بين أكثر المناطق تعرضاً للتأثيرات ومخاطر التغير المناخي المحتملة، مع الارتفاع في درجات الحرارة، والجفاف والتصحر، ونقص المياه. وإذا أضفنا إلى ذلك الزيادة في عدد السكان، واحتياجات النمو الاقتصادي، فإن حجم تحدي الأمن المائي الذي يواجه المنطقة يبدو أكبر، كي لا نقول أخطر لأن المياه تصبح بشكل متزايد سبباً في الصراعات وعدم الاستقرار. وهذه الصراعات حاضرة الآن وبخاصة بالدول التي تتقاسم مصادر المياه مع أخرى. فرغم وجود قواعد واتفاقات بشأن حقوق المياه بين البلدان التي تتشارك مصادر المياه والأنهار، فإن هناك صراعات متزايدة بسبب نقص المياه. فالعراق وسورية يعانيان من أزمة مياه غير مسبوقة نتيجة التغيرات المناخية، ونوبات الجفاف، وانخفاض تدفق مياه الفرات ودجلة من تركيا. والأردن ولبنان والدولة الفلسطينية لديها نزاع حول المياه مع إسرائيل. والسودان ومصر لديهما نزاع مع إثيوبيا بسبب سد النهضة وتأثيراته المحتملة على تدفق مياه نهر النيل.
والحلول تكمن في إنشاء «شركات المياه العادلة» لجمع التمويل لمشاريع المياه في الدول النامية ومتوسطة الدخل، وتوسيع نطاق الاستثمار بمجال المياه، وتطوير تقنيات إدارتها من بنية تحتية؛ وتعزيز البحث العلمي، والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لتطوير معالجة المياه، والتحلية، وإعادة تدوير المياه المستخدمة للصناعة، ووقف تسرب المياه، والاستخدام المقنن للمياه الجوفية.
ختاماً: إذا لم نرشـّد استهلاكنا الجائر للمياه؛ فسنظل نرقص عـلى أنغـام أغـنية: (الماي مقطوووعـة يا أفندي)..!