تجنح ألمانيا إلى المظلة الأميركية على حساب مصالحها الوطنية من جديد، لكن هذه المرة في مواجهة الصين التي لطالما حذرت من تبعات خطوات أوروبية غير محسوبة النتائج.
قرار برلين بإجراء محادثات للحد من تصدير المواد الكيميائية التي تُستخدم في تصنيع أشباه الموصلات إلى الصين، هو إعلان صريح بالانضمام إلى هولندا واليابان والولايات المتحدة الأميركية بمواجهة بكين في حرب التكنولوجيا، ليكون هذا القرار جزءاً من حزمة الإجراءات التي تناقشها حكومة المستشار أولاف شولتس، والتي من شأنها قطع الطريق على وصول الصين إلى السلع والخدمات اللازمة لإنتاج أشباه الموصلات المتقدمة، فهل تستطيع برلين تحمل تبعات مواجهة بكين وخاصة اقتصادياً؟
الجواب عن هذا التساؤل يكمن في الأرقام والمعلومات لحجم العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث إن الصين هي الشريك الأكبر على الإطلاق والأكثر أهمية لألمانيا في العالم، وحسب إحصاءات التبادل التجاري فإن ألمانيا تعتمد بشكل كبير على الاستيراد من الصين، وحول ذلك يقول كبير الاقتصاديين في بنك «آي إن جي ألمانيا» كارستن برزيسكي لـ«دي دبليو» الألمانية: بالنسبة للمواد الخام وبعض سلاسل الإنتاج، فإننا نعتمد بشكل كبير على الصين وهو أقوى بكثير من اعتماد أميركا على الصين، وهو أيضاً أكبر من اعتماد فرنسا عليها، إضافة إلى ذلك فإن العديد من الشركات مثل «ويباستو» لصناعة قطع غيار السيارات، تحقق أيضاً جزءاً كبيراً من مبيعاتها في الصين، وقال مدير «ويباستو» هولغز أنغلمان: «إذا فقدنا الصين فإن الازدهار في ألمانيا سيتراجع»، وما يؤيد تلك التصريحات على سبيل المثال، بيع شركات السيارات الألمانية «فولكس فاغن» و«مرسيدس» و«بي إم دبليو» ما يقارب 40 في المئة من سياراتها في الصين خلال النصف الثاني من عام 2022.
من خلف الستار تطل واشنطن على المشهد على الرغم من نفي برلين أي علاقة للضغوط الأميركية، لكن الأمر فضح منذ إعلان شركة «وولف سبيد» الأميركية العام الماضي بناء أكبر مصنع في العالم لأشباه الموصلات من مادة كربيد السيليكون في ولاية سارلاند الألمانية، بمشاركة مجموعة «زد إف» الألمانية للتكنولوجيا الصناعية التي تزود أنظمة تنقل السيارات والمركبات بحصة قليلة في المصنع وفق ما ذكر موقع صحيفة «هاندلسبلات» الألمانية، على أن يبدأ المشروع الإنتاج في غضون 4 سنوات.
أمام هذا المشهد الذي يحاول المستشار الألماني أولاف شولتس الجمع بين النقيضين فيه على الرغم من معرفته النتيجة المسبقة لإعادة استجرار اتهامات غربية لبكين فيما يخص القضية التايوانية وحقوق الإنسان، لكنه يحاول إيجاد توازن في العلاقات بين بلده والبلدان المتصارعة، فعمد إلى التظاهر بالحفاظ على علاقات طبيعية مع بكين إلى جانب علاقاته مع واشنطن، من خلال دعوته رئيس الوزراء الصيني الجديد، لي تشيانغ، لإجراء محادثات في برلين، فهل ستكون نتائج هذه الزيارة كما تشتهي السفن الألمانية، أم إن الرياح الصينية ستقلب الطاولة الغربية؟ نحن بانتظار نتائج هذه الزيارة المقرر إجراؤها في 20 حزيران المقبل.