في الـ 22من نيسان الماضي قرر القائد السابق للكليات العسكرية في جيش الاحتلال الإسرائيلي الجنرال المتقاعد غيرشون هاكوهين والذي خدم 41 عاماً، أن يستذكر ما قاله رئيس الحكومة السابق أريئيل شارون في هذا اليوم نفسه من شهر نيسان عام 2002 بعد انتهائه من تنفيذ العملية العسكرية «الجدار الدفاعي» التي استهدفت المقاومة الفلسطينية المسلحة في الضفة الغربية وقطاع غزة والتي ارتكب فيها شارون مذبحة في جنين وقرى أخرى في الضفة الغربية، فقد نشر هاكوهين مقالاً بهذه المناسبة في صحيفة «ماكور ريشون» الإسرائيلية جاء فيه: «في ذلك اليوم قبل 20 عاماً، عقدت لجنة الكنيست البرلمانية المختصة بشؤون الأمن والسياسة الخارجية، جلسة للاستماع إلى تقرير عن هذه العملية العسكرية، فتطرق خلالها شارون إلى انتقاد بعض الشخصيات العسكرية التي تطلب منه الانسحاب من بعض المستوطنات في قطاع غزة بسبب صعوبة حمايتها، وحينئذ خاطب شارون اللجنة قائلاً: «إن من ينسحب من مستوطنة نيتساريم في غزة يصبح كمن ينسحب من مدينة تل أبيب»، وهذه المستوطنة أنشئت عام 1984.
وأضاف: إن «الانسحاب من مستوطنة واحدة سيشجع الفلسطينيين المسلحين ويزيد الضغوط علينا ولذلك يجب على كل من يؤمن بأهمية الاستيطان أن يرفض الانسحاب من نيتساريم»، وتحول هذا القول إلى شعار يردده المتشددون في توسيع الاستيطان، وكان شارون يعني بقوله هذا أن من يستسلم في مستوطنة نيتساريم هو مثل الذي يستسلم في تل أبيب التي يعدها الكيان عاصمة له، وأراد من خلال مداخلته هذه تشجيع الاستيطان والتمسك ببقاء المستوطنات. وبعد ثلاث سنوات من هذا القول، انقلب السحر على الساحر حين أجبرت المقاومة الفلسطينية شارون نفسه وهو في منصب رئيس الحكومة في شهر آب 2005 على اتخاذ قرار بالانسحاب من دون قيد أو شرط من كل قطاع غزة ونزع كل مستوطناته ومن بينها مستوطنة نيتساريم، واستخدم جيش الاحتلال في نقل المستوطنين إلى خارج القطاع، وفي تدمير 22 مستوطنة أنشأها في قطاع غزة خلال أكثر من عشرين عاماً كي لا يستفيد منها المنتصرون في القطاع.
لقد وَلَّدَ انتصار المقاومة بهذا الشكل الواضح عدداً من عوامل التآكل في قدرة جيش الاحتلال وزعزع الثقة بينه وبين المستوطنين الذين وجدوا أن الجيش المكلف بحمايتهم هو الذي يقوم بإخلائهم رغماً عنهم مع أثاثهم من وحداتهم السكنية الاستيطانية ومنشآتهم ومن الأراضي التي بسطوا احتلالهم عليها فتزعزعت الثقة بينهم وبين الجيش من جهة وتولدت روح الهزيمة عند الجانبين والضعف المعنوي المرافق لها من الجهة الأخرى.
ومع استمرار المقاومة وزيادة قدراتها سنة تلو أخرى في مختلف ساحات المواجهة العسكرية أمام عجز الكيان عن إيقاف قدرات هذه الجبهات من الشمال إلى الجنوب إلى الوسط، ازدادت عوامل تآكل قدرة جيش الاحتلال وسادت في داخله أجواء الخوف وانخفاض المعنويات في ظل طريق مسدود لا مخرج منه سوى الهجرة العكسية للمستوطنين أو تجنب الخدمة الميدانية القتالية عند المجندين في كل عام، وهذا ما ظهر في تحليل نشرته صحيفة «يسرائيل هايوم» الإسرائيلية بقلم المحللة المختصة بالشؤون العسكرية الإسرائيلية ليلاخ شوفال بتاريخ 23 نيسان الماضي جاء فيه أن «الرغبة في الخدمة الميدانية القتالية للمجندين في الجيش لا تزال تشهد انخفاضاً مستمراً سنة تلو أخرى، فقد بلغت بموجب استطلاع داخلي نسبة من لا يرغب من المجندين الذكور بالخدمة القتالية 30 بالمئة ومن المجندات الإناث 52 بالمئة».
وتشير ليلاخ إلى الانخفاض الحاد في قلة الدوافع التي يحملها المجندون الجدد للخدمة القتالية ويذكر أن الخدمة في جيش الاحتلال إلزامية للذكور والإناث ومن دون استثناءات إلا في حالات المرض النفسي والإعاقة الجسدية وغالباً ما تدعي نسبة من المجندين أنها تعاني من هذه الأمراض لكي تتجنب كل أشكال الخدمة في جيش الاحتلال، وبالمقارنة مع العقود الماضية ما زالت نسبة المتهربين من الخدمة القتالية بازدياد ملحوظ بسبب الهزائم التي لحقت بجيش الاحتلال خلال حروبه منذ عام 1982 حتى عام 2005 وما تلاها من عجز في قدراته أمام محور المقاومة وجبهاته المتعددة في مجابهته.