ثقافة وفن

المهن النسائية القديمة … المرأة عملت في شتى المهن من التزيين إلى النواح

| أنس تللو

يظن بعض الأشخاص أن عمل المرأة في مجتمعاتنا وليد ما يسمى بحركات (تحرر المرأة) أو (المساواة) التي حصلت في أوائل القرن الماضي، على حين أن هناك أعمالاً كانت تقوم بها المرأة منذ القرنين التاسع عشر والعشرين، وهي أعمال خاصة بالنساء لا يقوم بها أحد سواها، منها:

الطهي

كانت بعض النساء حين يكون لديها مناسبة أو دعوة كبيرة تحتاج إلى من يساعدها في الطهي، وفي الوقت نفسه هناك نساء بارعات في هذا الفن ولهن حاجة مادية، فيتم استدعاء إحداهن للمساعدة في هذا الأمر مقابل أجر مادي، وقد لا تحضر الفتاة إلى البيت في بعض الحالات، وإنما تقوم بالطهي في منزلها ومن ثُمَّ يتم إرسال الطعام من منزل إلى آخر في الوقت المحدد، وكان هذا غالياً حين تكون الدعوة كبيرة مثل الولائم والأفراح والأعراس والولادات والمباركات، فيكون الأمر أشبه بمطاعم اليوم التي تقدم أصناف الطعام الفاخرة والتي يتم التوصية عليها لتصل في موعد ثابت.

وهناك بعض النساء الطباخات يعملن بشكل يومي لدى بعض الأسر الثرية، فتأتي الواحدة منهن إلى منزل الأسرة صباحاً لتعود مساء محملة بنصيبها من الطعام إضافة إلى الأجر المادي.

الماشطة

وهي ما تعادل اليوم مهنة (الماكييرة)؛ أي التي تضع المكياج للعروس.

في الماضي البعيد لم تكن حال النساء مثل حالهن اليوم، فقد كان المكياج والزينة لا يتم استخدامه إلا في يوم العرس، وليس كما هو الآن يُستخدم وكأن العمر كله أعراس.

من هنا فقد نشطت مهنة الماشطة، وهي المرأة التي تقوم أولاً بإزالة شعر العروس من الأيدي والأرجل، ثم تقوم بتزيين العروس، فتصبغ الشفتين باللون الأحمر، وتضع على الخدين أزرار الورد، وتزجج الحاجبين، وترسم الكحل على العينين، ثم بعد ذلك تدلك جسدها بالمراهم والعطور، ويا لها من مهنة كانت تدر الأرباح الوفيرة على ممارساتها.

اليوم أصبحت مهنة الماكييرة ضرورية لممارسة بعض المهن الأخرى، وأصبحت موظفي لدى الدوائر الرسمية، وأصبح لها غرفة خاصة كما هو الحال في مبنى الإذاعة والتلفزيون.

الداية

حين يستحكم المخاض في امرأة حامل كان يذهب أحد صبيان الأسرة ليدق الباب على المرأة الخاصة بالتوليد التي تسمى (الداية)، فيقول:

تقول لك أمي، لقد دبَّ الطلق بأختي.

فتركض الداية على الفور برفقة الصبي إلى البيت المطلوب، وكانت الداية تستخدم يديها بمنتهى المهارة؛ فتقوم بالتوليد وقلب الجنين من وضع إلى وضع، وهي طريقة تُستخدم اليوم في أرقى مشافي العالم.

ومن طرائف ما كان يحصل أن الداية كانت تقوم بإدخال المولود الجديد في ثوبها من ناحية الرقبة وتقوم بتلقفه وإخراجه من أسفل الثوب، وهي تعتبر بذلك أن المولود يصبح بذلك بمنزلة ابنٍ لها يمكن لها أن تكشف أمامه عن وجهها ورأسها حين يكبر.

الكوّاية

تخصصت بعضُ النساء في القرنين الماضيين بحرفة (كي الشعر) أو لفِّه أو عقده ضمن جدائل خاصة، وكنَّ يذهبن إلى البيوت أيام المناسبات والأفراح ليقمن بتصفيف شعر نساء الأسرة، وإذا كنَّ قريباتٍ تحضر إلى بيوتهن النساء لتنفيذ ذلك.

وهذا أشبه بما يسمى اليوم (صالون الكوافيرة).

الغسالة

كانت هناك نساء متخصصة تطوف بين البيوت الموسرة والتي لا تتمكن فيها نساؤها من القيام بكل أعمال البيت، وكان هناك يوم في الأسبوع مخصص للغسيل، وكانت عملية الغسيل تبدأ فجراً، وتمر بعدة مراحل، فتبدأ بالغسيل بالنيلة ثم الفرك والدعك بالصابون البرش، ثم ما يسمى بـ(التسبيع) بسكب الماء، ثم (النفض)، وبعد ذلك النشر، ويكون النشر على حبال مصنوعة من خيش القنب.

في الحمامات

كان في كل حمام نسائي مشرفة عامة ومحاسبة وعاملات ونادلات، وكانت مهمة القائمة بالحمام فضلاً عن الحجوزات والاستقبال أنها تنبه الزبائن إلى سرقات الثياب الفخمة وسرقات المواليد الرضَّع.

وكانت عاملات الحمام متنوعات الاختصاص، فهذه تقوم بالتلييف واسمها المليفة، وتلك تقوم بالتفريك واسمها البلانة، والبلانة يجب أن تكون امرأة قوية، وتقوم بالتفريك بكيس أسود معتدل الخشونة، وأخرى تقوم بدهن جسم الولادة بدهن خاص اسمه (الشدود)… وله علاقة بموضوع إدرار الحليب.

رقص الأفراح

في زمن مضى لم يكن الرقص متداولاً كثيراً ضمن البيوت، ولم تكن الفتيات يتقنَّ هذا الفن، مما يضطر أهل العروس إلى استدعاء فتيات مختصات بفن الرقص، وذلك ليرقصن ضمن حفلة العرس التي كانت تُقام في البيوت حصراً.

اليوم، تطور الأمر، وانقرضت هذه المهنة نهائياً إلى غير رجعة، وذلك بعد أن انتشر فن الرقص انتشاراً واسعاً جداً بين الفتيات، وغدا أمراً عادياً تتقنه الكبيرات قبل الصغيرات، وتمارسه الجدّات قبل الحفيدات.

النوَّاحة والردادة

كانت النساء في الماضي إذا ما توفي لهن أحد يخجلن من إصدار أصوات عالية يسمعها الجيران والمارَّة، فكنَّ- عند حصول المآتم- يستجلبنَ نساء خاصة بالنواح والعويل، فتقوم النوَّاحة بما يسمى بعملية (الولولة) حيث تنادي وتصيح كلاماً يوحي بأن الفقيد هو خسارة كبيرة، وأن الحزن عليه لا ينقطع، ثم ترد الردادة كلاماً يؤكد بأن هذا قدر مكتوب، وأن الموت أمر محتوم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن