ثقافة وفن

البحر ذاكرة للمرأة

| إسماعيل مروة

القصيدة عندما تتحول إلى فاصلة هامسة لروح شفيفة تصل إلى مقامها ومكانها، وليس شرطاً في الشاعر أن يكون مطوّباً في كهف الشعراء، فللكلمة شعاع يتسلل إلى الروح لينسج قصيدة تختار بحراً أو تفعيلة، وربما تتنازل عنهما عن دراية وخبرة لتقدم الموسيقا والروح التائقة إلى فضاءات الحرف. لباب قنبس شاعرة أطلقت كلمتها الشاعرة في فضاءات الواقع، وحوّلته إلى حلم جميل يحاكي أمانيها وأحلامها، وعلى الرغم من أن والدها شاعر مشهود له، ومن الشعراء المجيدين في الكلاسيكية والتفعيلة والشعر الحديث إلا أنها التزمت شخصيتها الخاصة، وقدمت إحساسها بالقصيدة لتخطو فخورة باسم شاعرها، ولكنها تحتفظ بخصوصيتها.

أيها الباحثون عن نهار!
أمامكم جدار
وحولكم حصار
وخلفكم ألف حصار وحصار
بسيفه
يقتلنا التتار
ويزرعون في الصدور والظهور
خناجراً
ويقتلون زرقة البحر
ويقطعون أمل الصغار

لوحة مؤثرة ترسمها لشاعرة بكلماتها لتصوغ المأساة والمفارقة بين البحث عن نهار وضوء، وبين الحواجز التي تقف دون تحقيق أي أمنية، والتحديات الخارجية من التتار التي تغتال جمال الحياة وزرقة البحر وأمل الصغار، وفي أمل الصغار وتتجسد الحكايا، ودون شعارات كبيرة تصور الشاعرة الواقع الأليم.

روح امرأة ووطن

وفي الحديث عن الوطن تعودنا أن نقرأ شيئاً رناناً، ومعلقات من نشيج وألم، ولكن إحساس الشاعرة اختارت حالة الظمأ والوطن، ورسمت لوحة جميلة تبتعد عن النواح أو النداء والتفجع، أو التباهي، بل صنعت نوعاً من التماهي بين الشخص والوطن.

عصافير قلبي
تتسابق
تخفق بمودتها
لعلها ترشف رشفة
من رحيق الفجر
فينطلق غنائي
ينطلق غنائي من حنجرة وطن

الوجدان والخاص والعام

في المجموعة الشعرية الأولى للشاعرة لباب قنبس تقدم مجموعة من الحالات الوجدانية الراقية، وتنقلها من الخاص إلى العام، وذاك من مهام الشعر الذي يعدو في الحياة مع شمس المتعبين لترسم فردية وجمعية في آن معاً.

فانوس القلب
يقودني وسط هذا الزحام
تعللني عذارى دموعي
أعبر هجير النفوس
أحاول
أن أشق نهراً من أمل
لعلني أغتسل فيه
وتغتسل فيه قلوب مدينة متعبة

حالة من التطهر الجميل تبحث عنها الشاعرة في نصوصها الوجدانية الرقيقة التي قدمتها مجموعة شعرية أولى ترسم معالم شاعرة تبدأ بقوة لتقدم تجربة مهمة، وتعبر عن إنسان وامرأة ووطن.. وفي المجموعة نصوص كثيرة لأن الشاعرة اعتمدت النصوص الومضة القصيرة التي توجز المعاني الكثيرة، وجالت بين دمشق والإمارات، وكانت الأسرة منطلقها في جواز سفرها الأول إلى عالم الشعر الجميل، ولا يحسن بي أن أقف عند النصوص كافة تجنباً للإطالة، وإنما هي إضاءات على تجربة ستكون بداية ذات استمرارية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن