كلنا يعتبر أن الدراما هي مرآة المجتمع، تؤثر فيه وتنطلق منه، فلا بد لها من أن تعكس بشكل كبير جدلية العلاقة بين الدراما والمجتمع، فقد اعتدنا خلال شهر رمضان أن نتابع أعمالاً درامية تتنافس فيما بينها للوصول للمشاهدين وجذب أكبر عدد ممكن من المتابعين، وعلى الرغم من الإشادة الجماهيرية التي حظيت بها الدراما السورية لهذا الموسم حيث استعادت ألقها ومكانتها خلال السنوات الأخيرة وتميزها بالأداء التصويري الباهر إلا أنها لا تخلو من الانتقادات التي طالتها نظراً إلى مشاهد العنف والقتل المكرسة في معظمها.
موجة جديدة
إن فعل القتل المقترن بالدماء ظل من المحاذير التي يتم التعامل معها في الدراما بشكل حساس لسنوات كثيرة وبقيت أقل العناصر البصرية المستخدمة في الدراما التلفزيونية وكذلك الحال المشاهد الجنسية، فمن الجيد أنها كانت مستبعدة بعض الشيء من ذهن كتاب السيناريو إلا أن هذا الحال لم يدم طويلاً ونهج صناع الدراما نهج الخيانات الزوجية والإيحاءات الجنسية ومن ثم بات الاتجاه السائد اليوم نحو مظاهر القتل والتعذيب والتعنيف، فأصبحت دراما العنف والقتل ظاهرة واقعة في قلب المسلسلات السورية مؤخراً وفرضت نفسها كلون جاذب للمشاهد، وبات من الملاحظ أن موجة فنية جديدة تنهجها شركات الإنتاج في الآونة الأخيرة وهي الاتجاه نحو العنف والإثارة وقصص الجرائم وأولئك الخارجين عن القانون في الوقت الذي تغيب فيه تماماً قصص العائلة والأجواء الحميمية بين أفرادها وكذلك الكوميديا التي بتنا نفتقدها كثيراً.
العنف في دراما 2023
ومن المسلسلات المنافسة في هذا الصدد شهدنا في الموسم الرمضاني الحالي مسلسلات الزند ومقابلة مع السيد آدم وزقاق الجن الذي ركز بشكل كبير على تعنيف الأطفال والمرأة ولم تخل حلقة من حلقاته من مشهد دموي تخللها أو فيه شخص يخضع للضرب المبرح، فلا ندري ما القيمة المضافة للمتلقي من خلال ازدحام العمل الدرامي بمشاهد العنف واستعراض القوة، كما تخلل مسلسل العربجي الكثير من مشاهد القتل الدموي وطرق التعذيب البشعة ولعل أبرزها مشهد قتل شومان على يد عبدو العربجي كما فعلت تماماً شيماء عندما قتلت لطيف في زقاق الجن، والأمر ذاته أصاب مسلسل النار بالنار الذي اختتمه المخرج محمد عبد العزيز بمشهد ذبح بطلة العمل مريم على يد زوجها وكذلك قتل عمران على يد الفتى بارود وتركيز اللقطات على سيل الدماء التي راح ينزفها كل منهما، فكانت الاستعراضات الدموية بأقصى درجات العنف، وحتى العمل الاجتماعي خريف عمر كانت ركيزته الأساسية جرائم القتل المتتالية التي يرتكبها المحامي المتقاعد عمر الدالي بأساليب عديدة ومتنوعة.
دراما دافئة
لماذا كل هذا التقليد الأعمى للمنصات العالمية والأجنبية بالعنف المنبثق من شاشاتنا؟ ولماذا لا تبتعد بنا الدراما عن الواقع المرير المملوء بالحروب والدمار وتقدم لنا قصصاً اجتماعية هادفة تغرس في الجيل مبادئ العائلة المتكاتفة والقوية وتزرع فيه حب الأخ والصديق والإيثار من خلال نسج قصص تعيد روح التآلف وترمم تصدعات الجدران العائلية، أو أعمال اجتماعية رومانسية على سبيل المثال، فمعظمنا تابع واستمتع بمسلسل أهل الغرام بأجزائه الثلاثة الذي يروي قصص علاقات حب تترعرع في أزقة دمشق وبين حاراتها أو على مقاعد الدراسة الجامعية ويعترضها الكثير من المعوقات ونتيجة ظرف قاهر أو بسبب مشكلة اجتماعية أو مادية أو لها علاقة بالدين لتتكون لدى الجمهور حالةً من التعاطف مع شخصيات المسلسل كذلك مسلسل الفصول الأربعة والغفران وأحلام كبيرة الذي يطرح عدداً من الأفكار عن الحب والأحلام والطموح وعن العلاقات المادية والمعنوية في العائلة.
سوق تجاري
الكاتب علاء الأوس أوضح لـ«الوطن» أن ما يحصل مؤخراً من اعتماد صناع الدراما على العنف في أعمالهم يعود إلى طبيعة البشر في حب وتبني كل ما هو غريب وغير مألوف ومختلف نظراً لتفضيل المتلقي لهذا الصنف من الأعمال كما نشاهد في مقابلة مع السيد آدم أو سلسلة الهيبة فنجد القتل أسهل من شربة ماء، كما يريده الكُتّاب، وتابع أنه يفضل في كتاباته كافة الانطلاق من آلام الناس وآمالهم، وإن شركات الإنتاج هي التي تطلب تلك الأعمال، على حين أنها ترفض الأعمال الكوميدية على سبيل المثال، فالعملية الدرامية في نهاية الأمر هي سوق تجاري بحت تسعى من وراءه شركة الإنتاج لكسب الأموال وتحقيق الشهرة والتوسع، وهو الأمر الذي ربما لا تحققه الأعمال الكوميدية أو الاجتماعية وربما الإنسانية التي تقدم بعدة نماذج منها لشركات إنتاج مختلفة ولم تلق الاهتمام اللازم، كما بين استغرابه ممن يصرون على استعراض القوة والعضلات والتحدي في جميع مفاصل الحياة حتى على إشارة المرور الضوئية، موضحاً أننا بحاجة للفرح والترفيه وناشد شركات الإنتاج بفسح المجال لتلك الأعمال التي لا تجد لها طريقاً لشاشات الجمهور.
من جانبه المخرج محمد عبود أيد زميله الأوس في الفكرة ذاتها ولاسيما أننا خرجنا مؤخراً من حرب كبيرة على مر السنوات العشر الفائتة، إضافة إلى ميل شركات الإنتاج لتنفيذ مشاريع فنية مما هو سائد والذي من جملته المسلسل التركي المدبلج وادي الذئاب الذي حقق نسب مشاهدة عالية، وبالتالي إنتاج أعمال مشابهة سيحقق الأرباح المطلوبة وتم الإيعاز لكتاب السيناريو بتأليف أعمال تدور في سمتها العامة حول العنف والخطف والقتل، وهو الأمر الذي لم يعنِ صناع الدراما والقائمين عليها ولم يحظ باهتمامهم بل إن الكثير منهم غدا من المميزين في هذه النوع من الدراما، وباتت تلك السمة من الأعمال الدرامية تمثل وجبة دسمة للمنتجين والمخرجين.
في الختام، لماذا يتم ربط المرأة بالعار ولا بد من قتلها لغسله؟ حتى وإن قتلت فما مبرر تصوير المشهد وعرضه كما حدث في مربى العز؟ وهل كانت الحياة بشعة إلى هذا الحد في القرن الماضي كما صورتها معظم أعمال البيئة الشامية هذا العام؟ ولماذا يتم دائماً الاغتراف من فترة الاحتلال العثماني لتجسيد كل صور التعذيب كما هو الحال في الزند؟
ألا يعلم صناع الدراما أن أغلب جمهورها هم من ربات المنازل والأطفال، فلماذا لا يتم إنتاج أعمال تحاكي طبيعة تفكيرهم ويتم احترام ذائقتهم الفنية؟