في الـ 29 من شهر نيسان الماضي نشر البروفيسور في الشؤون الإستراتيجية في جامعة تل أبيب إيال زيسير والمختص بشؤون سورية والمنطقة وله عدة مؤلفات حول سورية، في صحيفة «يسرائيل هايوم» مقالاً تحت عنوان: «الحرب لا تندلع من ذاتها بل من شن الآخرين لها»، وتساءل في بداية تحليله حول الحرب والهدوء: «هل ستجد إسرائيل نفسها أمام حرب إقليمية شاملة تمتد من رأس الناقورة حتى سياج قطاع غزة وداخل الضفة الغربية وربما حتى العمق العراقي والإيراني»؟ وأجاب عن سؤاله أن «القرار بيد إسرائيل»، وأضاف: إن «العناوين تصيح في المنطقة بأن الحرب على الباب وهذا ما يظهر أساس له في تقدير الوضع الاستخباراتي الذي نشر في إسرائيل في بداية شهر نيسان حين حذر من أن الحرب تلوح أكثر مما يلوح استمرار الهدوء»، وعزا هذا الاحتمال إلى «الضعف الذي تظهر به إسرائيل وتزايد المكانة والدور الإيراني وتفكك النفوذ الأميركي في المنطقة».
يستنتج زيسير من رأيه هذا أن «إسرائيل من المحتمل أن تجد نفسها أمام حرب شاملة ومن المهم أن تفهم أن قرار وموعد اندلاع حرب كهذه بيدها فقط وأن هذا هو جوهر التغير الإستراتيجي الجاري منذ عقود في الشرق الأوسط وعلى الجميع إدراك هذه الحقيقة».
ومع ذلك يحذر زيسير أن على إسرائيل أن تدرك أيضاً أن «قوتها المتصاعدة لم توقف تزايد كراهيتها والعداء لها وكذلك قوة الأطراف التي تستهدفها»، وفضل الدعوة إلى «عدم الاعتقاد بأن قوة إسرائيل العسكرية المتفوقة ستفرض على أعدائها تجنب شن حرب شاملة عليها طالما هناك من يدعو لمثل هذه الحرب»، لكنه يحذر أيضاً في الوقت نفسه من الانجرار إلى حرب كهذه طالما أن منظمات مسلحة من غير الدول هي التي تدعو لهذه الحرب وفي مقدمها حزب اللـه وبعض الفصائل الفلسطينية».
يرى زيسير أن «إسرائيل من الأفضل لها ألا تحول أي حرب ضد هذه المنظمة أو تلك إلى حرب شاملة وهي اعتادت على خوض مثل هذه المجابهات من دون الوصول إلى حرب شاملة»، وينتقد الحرب التي شنها مناحيم بيغين وأرئيل شارون على المقاومة عن طريق الاجتياح الشامل للبنان عام 1982 لأنها ولدت قوة متصاعدة للمقاومة في لبنان ولسورية في الجبهة الشمالية، ويعترف بأن: «إسرائيل ليست مضطرة لشن حرب من النوع الذي قام به بيغين بل هي بحاجة الآن إلى المحافظة على أعصابها وإلى تمتين وحدتها وحصانتها القومية ولعقل راجح وهذه هي الوسائل التي جعلتها تحقق ما تريد ومنع حروب لا ضرورة لها»، ولا شك أن ما جاء في هذا التحليل يثبت تماماً أن ما يسمى بأهمية «الردع» في العقيدة العسكرية الحربية عند الكيان الإسرائيلي تدهورت قيمتها وقدرتها على تحقيق الأمن والمبادرة، بل إن تراجع القوة الشاملة للكيان أصبحت حقيقة أمام تزايد عدد الجبهات التي سيواجهها جيش الاحتلال بموجب ما يؤكده زيسير من فلسطين المحتلة إلى جبهة الشمال حتى العراق وطهران، وبلغة واضحة، بل إنه يطلب من أصحاب القرار في تل أبيب أن يتجنبوا في هذه الظروف أي حرب شاملة طالما أن حرباً كهذه بيد إسرائيل وهي لا ترى فيها ضرورة بموجب استنتاجه.
لا شك أن لغة كهذه لم تكن من مفرداته ومفردات التقدير الاستخباراتي للوضع الإسرائيلي الذي استند من دون أدنى شك إلى التقارب السعودي – الإيراني والسعودي- السوري الذي غير صورة المنطقة وظروفها بشكل لم تعد فيه إسرائيل قادرة على زرع عوامل الفرقة والانقسام بين أهم دول المنطقة فوجدت نفسها كياناً معزولاً وعاجزاً عن إيقاف عجلة هذه التطورات التي لم يستطع حتى حليفه الأميركي منع أضرارها عليه وعلى تل أبيب معاً.