سورية وإيران.. علاقات إستراتيجية مستمرة في زمن التحولات العالمية الكبرى … الرئيس الأسد: علاقاتنا مبنية على الوفاء والتحولات العالمية أثبتت صحة مبادئنا السياسية .. الرئيس رئيسي: لا يمكن إحداث أي شرخ في علاقاتنا ونقف إلى جانبكم في إعادة الإعمار
| الوطن
رسم لقاء القمة السورية- الإيرانية في دمشق أمس، ملامح طريق المرحلة السياسية والاقتصادية القادمة للبلدين، وأعطى دفعة جديدة للعلاقات الإستراتيجية، في ظل التحولات العالمية وانعكاساتها الإقليمية، حيث تبرز الحاجة للمزيد من التمسك بالثوابت والحقوق، والسيادة، وتوجيه الأحداث في مصلحة شعبي البلدين.
وبحفاوة تعكس عمق وتاريخ العلاقات، استقبل الرئيس بشار الأسد أمس نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي الذي حط في دمشق أمس في زيارة زاخرة بالأبعاد الإستراتيجية لمصلحة البلدين.
الزيارة التي جرى خلالها بحث كل الملفات المشتركة، اعتبرها الرئيس الأسد بأنها ستشكل محطة هامة في مسيرة العلاقات الثنائية، فهي مبنية على صوابية الخيارات، وتأتي في ظروف دولية تاريخية تنحى باتجاه تعدد الأقطاب وأفول قوى الهيمنة من جانب آخر.
وبعد الاستقبال الرسمي للرئيس الإيراني والوفد الوزاري الكبير المرافق له في قصر الشعب، جرى اجتماع موسع حضرت فيه ملفات تعزيز العلاقات الثنائية وتطورات منطقة الشرق الأوسط وانعكاس التغيرات العالمية على المنطقة، حيث أشار الرئيس الأسد إلى عراقة العلاقات الغنيّة عن التعريف والغنيّة بالمضمون، والغنيّة بالتجارب وبالرؤية التي كوّنتها، وقال: «أثبتت الرؤية المشتركة أنها مستندة إلى أسس صحيحة وثابتة، مستندة إلى قيم، مستندة إلى مبادئ، مستندة إلى عقائد، ومستندة وهو الأهم إلى مصالح الشعوب وإلى سيادتها واستقلالها»، مشدداً على أن «العلاقة بين بلدينا بنيت على الوفاء، فعندما شنت حرب ظالمة ضد إيران في عام 1980 لمدة ثماني سنوات، لم تتردد سورية بالوقوف إلى جانب إيران على الرغم من التهديدات والمغريات في ذلك الوقت».
وأضاف: «الرؤية المشتركة ميّزت بين الواقعية السياسية وبين المقامرة السّياسية، نحن وأنتم لم نقامر بالسّياسة على الإطلاق، لم نضع مصير دولنا وشعوبنا في يد الأجانب أو الأجنبيّ، وإنما راهنا على انتصار الحق في النهاية وربحنا الرهان، ولكل هذه الأسباب زيارتكم اليوم هامّة، وأهميتها تنطلق من عمق العلاقات بين بلدينا، هذا العمق المنطلق من الماضي والمتجه إلى الأمام بثقة وبثبات باتجاه المستقبل».
من جهته لفت الرئيس الإيراني إلى أن علاقات البلدين امتزجت بالدماء، ولا يمكن إحداث أي شرخ في هذا الامتزاج بالدماء بين البلدين، وأضاف: «أنتم اجتزتم الأيام الصعبة والمستعصية، وآمل أن نشهد الأيام المملوءة بالفرح والنجاح والتوفيق لهذا البلد، نحن خلال فترة الحرب وقفنا لجانبكم، وأيضاً سنقف لجانبكم خلال هذه الفترة، وهي فترة إعادة الإعمار، ونؤكد توسيع العلاقات بين البلدين من الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية وأي مستوى آخر».
وأضاف مخاطباً الرئيس الأسد: «ليس لدينا أدنى شك أنه بأياديكم بإمكانكم أن تزيلوا آثار الحرب وتعيدوا إعمار الدمار الذي شهدته سورية، وسنشهد عودة الشعب السوري والمهجرين إلى هذا البلد، وبالتأكيد أن الظروف ستصب في مصلحة سورية حكومة وشعباً وأيضاً لمصلحة المنطقة».
المباحثات المطولة بين الرئيسين والتي استمرت لأكثر من ثلاث ساعات، خرجت بنتائج هامة على صعيد التعاون بين البلدين، ووقّع الرئيسان الأسد ورئيسي مذكرة التفاهم لخطة التعاون الشامل الإستراتيجي طويل الأمد بين الجمهورية العربية السورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية.
كما جرى بحضور الرئيسين توقيع عدد من مذكرات التفاهم ومحضري اجتماع في مجالات الزراعة والنفط والنقل والمناطق الحرة والاتصالات وعدد من المجالات الأخرى، ليعقب ذلك إفادة صحفية للرئيسين جدد خلالها الرئيس الأسد ترحيبه بنظيره الإيراني، وقال: «هذه الزيارة تكتسب أهمية خاصة في ظل التحولات العالمية وما تفرزه من تحوّلات إقليمية، هذه التحولات التي أتت لتثبت صحة المبادئ السياسية لكلا البلدين، والثبات على هذه المبادئ هو الذي يعطينا القدرة على توجيه الأحداث ونتائجها في مصلحة دولنا وشعوبنا بدلاً من أن نكون كقطعة خشب ملقاة في البحر تأخذها الأمواج حيث تشاء، وهذا المخاض العالمي والإقليمي بحاجة للمزيد من التمسك بالثوابت، بالحقوق، بالسيادة، بالدفاع عن المصالح، فلا تقديم مزيداً من التنازلات تحت عنوان «الانحناء إلى العاصفة» وهذا العنوان كان السبب في تعزيز السياسات الاستعمارية عبر العالم وخسارة الشعوب لحقوقها وحياة أبنائها وأوطانها».
الرئيس الأسد أشار إلى التطورات الإقليمية الحاضرة وأكد ترحيب سورية بتطور العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية لما سيكون له من انعكاس إيجابي كبير على مناعة دول في هذه البقعة الهامة من العالم.
وذكّر الرئيس الأسد في كلمته بموقف سورية تجاه اللقاء الرباعي الذي عقد في موسكو، وأكد على أهمية هذه المبادرة مع الحرص على أن يكون محورها وهدفها هو انسحاب القوات المحتلة وإيقاف دعم المجموعات الإرهابية كطريق طبيعي لعودة العلاقات العادية بين أي بلدين.
الرئيس الأسد أشار إلى الحيز الهام الذي أخذه ملف العلاقات الاقتصادية، والاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تم توقيعها، والمشاريع التي تمت مناقشتها والتي «ستعطي دفعاً كبيراً للعلاقات عبر تطوير آليات ترفع مستوى التبادل التجاري والاستثمار وتخفف من آثار العقوبات المفروضة على البلدين».
بدوره لفت الرئيس الإيراني إلى أن بلاده تؤكد دائماً دعمها للمقاومة والصمود، وهي تقف إلى جانب سورية حكومة وشعباً، وتقف إلى جانبه في مرحلة إعادة الإعمار وأضاف: «وقعنا مذكرات تفاهم مع السلطات السورية، وفي مباحثاتنا مع الرئيس بشار الأسد العزيز بحثنا المواضيع المختلفة في مجالات مختلفة، وبحثنا تطوير العلاقات في كل المجالات، ونحن عازمون على تطوير العلاقات بيننا وبين دول المنطقة، نحن بصدد تطوير علاقاتنا مع دول المنطقة وسنسعى لتوسيعها من دون وجود الأجانب، فوجود الأجانب لا يسبب لنا استتباب الأمن، إنهم لا يجلبون لنا الأمن، بل إنهم مخلّون بأمن المنطقة، ومن المستحسن أن تخرج القوات الأميركية سريعاً من المنطقة. فطريق استتباب الأمن والحرص على السيادة السورية هو خروج القوات الأجنبية غير الشرعية، وإعادة السيادة السورية على كل الأراضي السورية هي بخروج هذه القوات، ويجب أن تُحترم السيادة السورية على كل الأراضي السورية».