ثقافة وفن

أيامنا من عطايا الشهيد

| إسماعيل مروة

قوافل الشهداء في الأرض لا تتوقف، وفي أرضنا تنزرع دماء الشهداء، وتنبت بطولة وحباً، وعقيدة افتداء لا تنتهي، هذا الإنسان العربي عامة، والسوري خاصة كان وما زال منذوراً من أجل الأرض والمبادئ والحرية، منذ بدء التاريخ أعطى المقاتل السوري روحه الغالية على أرض تراب وطنه، وتقدم إلى مذبح الحرية غير هيّاب، وهو يدرك تمام الإدراك أنه سيقابل نهايته ببسالة، فقرر أن يستقبل الخاتمة بفرح واستبشار وتحدٍ.. وقراءة التاريخ تظهر لنا أنه مامن أرض أعطت من أرواح أبنائها كما أعطت الأرض السورية، وما من أرض تكالبت عليها القوى، وطمعت فيها وفي خيراتها الأمم القوية والمعتدية كما هو الأمر في سورية.

يصادف اليوم ذكرى الجلاء، وإن كان يوم الشهيد، أو عيد الشهداء حديث الإقرار، وبمناسبة إعدام أحرار سورية ولبنان على يدي جمال باشا السفاح في دمشق وبيروت، فهذا لا يعني بدء مسيرة الشهداء، ولكن هذا اليوم كان مأساوياً وفاصلة في التاريخ العربي وفي تاريخ التضحية، والذين أعدموا في ساحتي الشهداء في دمشق وبيروت كانوا من الأحرار، لكنهم لم يكونوا من المقاتلين والقادة، بل كانوا قادة فكر ورأي وسياسة، وكانوا متعددي الديانة، فمنهم المسيحي والمسلم، العربي وغير العربي، وبينهم اليوناني خطيب ماري عجمي الكاتبة الكبيرة، وفي ذلك إشارة مهمة إلى عظمة التضحية، وإلى الروح الأممية في الدفاع عن الحق والخير والمبادئ، ومن سان باولو يهب شاعرنا رشيد سليم الخوري (القروي) ليتحدث عن الشهداء:

خير الطالع تسليم على الشهدا
أزكى الصلاة على أرواحهم أبدا
قد علقتكم يد الجاني ملطخة
فقدست بكم الأعواد والمسدا

إنه يرثي هؤلاء الأبطال الذين دفعوا أرواحهم فدى للأوطان والمبادئ والحرية، فهم ينتمون إلى كل بقعة من الأوطان، وإلى شرائع متعددة، وإلى قوميات عديدة، لكنهم اجتمعوا على حب الأرض والحرية والكرامة.

هذا اليوم عرف بيوم الشهداء، وعاد بأثر رجعي في التاريخ ليكون يوماً لكل شهيد من اليرموك والقادسية، ومن بدر وأحد والخندق ومؤتة، وإلى مشارق الأرض ومغاربها، وليبقى هذا اليوم يوم الشهادة والشهيد ما دامت الحياة.. فمع احتلال فرنسا وأوروبا للأرض العربية كان هذا اليوم هو يوم الشهيد، إذ لم تفرّق فرنسا بين شريعة وأخرى، بين قومية وأخرى، وكانت قوافل الشهداء متوالية على الزمن.. ومع الزمن ومع الاحتلال الصهيوني المدعوم عالمياً كان شهداء فلسطين وقضيتها من مختلف البلدان، من سورية ومصر والعراق وكل البلدان، وكان عز الدين القسام اسماً لأرقى أنواع الشهداء، وبقيت الحروب مستمرة، الحرب تتلوها حرب، والسوري يقدم القرابين على مذبح الوطن.. واليوم تتسع دائرة الشهادة في حرب تدور رحاها على الأرض السورية منذ أكثر من اثني عشر عاماً، والدم الزكي ينزرع في الأرض من جديد، ليثبت للعالم كله بأنه ما من واحد يمكن أن يمرّ على هذه الأرض من دون مقاومة كما قال يوسف العظمة قبل ميسلون.

لأرواحهم الرحمة، وهم هنالك في مقاعد الصّديقين والصالحين، ولهم من شباب الأمة العهد على صون ما بذلوا دماءهم لأجله.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن