ثقافة وفن

وُصف بأنه «أبو الأناشيد الوطنية» … إيلي شويري.. الأيقونة في معبر الرحابنة والمعاصر لعمالقة الطرب العربي

| وائل العدس

«بكتب اسمك يا بلادي عالشمس اللي ما بتغيب، لا مالي ولا ولادي على حبك ما في حبيب»، أصبحت هذه الجملة الأكثر انتشاراً على مواقع التواصل الاجتماعي بعد وفاة الفنان القدير إيلي شويري، فهي تعود بالذاكرة إلى ما يسمى بالزمن الجميل.

وُصف بأنه «أبو الأناشيد الوطنية»، عاش بقلب استمد نبضه الحقيقي من موهبة أراد الله أن تكون نعمة علينا، ففكره كان قائماً على الموسيقى الجدية والأعمال الهادفة، وطالما تمسك بمبدأ أن الفنان وجد ليوصل رسالة أو حالة معينة.

يُعد من جُملة مطربي العصر الذهبي للغناء العربي، إذ عاصر عمالقة الطرب مثل محمد عبد الوهاب وأم كلثوم ورياض السنباطي وعبد الحليم حافظ وكارم محمود ومحمد عبد المطلب وفايزة أحمد وغيرهم من الذين رسموا خريطة الأغنية العربية.

في إنعاش الذاكرة عبر مكتبته الفنية تستيقظ الرسائل والنداءات والآهات والمواويل التي قدمها بصوته أو بأصوات أهم فناني ذلك الزمن، لتتصدر اليوم وصايا كثيرة تركها عبر أعماله منها: «يا ناس حبّوا الناس الله موصي بالحب، الحب فرح الناس يا ويله الما بحب».

الملحن والمطرب اللبناني إيلي شويري رحل يوم الخميس الماضي عن عمر 84 عاماً بعدما أثرى الساحة الفنية على مدار ستة عقود، وقد ولد في بيروت عام 1939.

من الكويت

لم يكن يعلم أن حادث السير الذي تعرض له وإصابته بكسر في يده سيشكل انطلاقته الحقيقية في عالم الفن وبالتحديد في أروقة الإذاعة الكويتية عام 1960 حينما دعاه صديق إلى الكويت لتمضية فترة نقاهة واستجمام، وكان في العشرين من عمره. فجمعته المصادفة يومها بالملحن الكويتي عوض الدوخي الذي راح يشجعه على تعلم العزف على العود مع زميل له يدعى مرسي الحريري، وهو ملحن مصري كفيف.

بقي في الكويت لما يزيد على سنة، أحيا خلالها بعض الحفلات الصغيرة وتعرف على الموسيقى الخليجية وتعلم إيقاعاتها.

وفي منتصف عام 1962 وصلت إلى الكويت فرقة «الأنوار» اللبنانية ضمن جولة فنية كانت تقوم بها، وكانت تتألف من عدة مطربين لبنانيين بينهم وديع الصافي وسعاد الهاشم وزكي ناصيف وتوفيق الباشا، فاستيقظ الحنين في نفسه وقرر العودة إلى بلاده بعدما حضر عرضاً للفرقة، مزوداً برسالة من أحد الاصدقاء في الكويت تطلب من موسيقي لبناني يدعى جوزيف شمعة أن يدعم موهبة إيلي ويساندها، وهكذا كان، فأصبح عضواً في فرقة كورال تضمه إلى جانب شمعة ونقولا الديك، فكان من ضمن الفريق المرافق لعدد من الفنانين بينهم فهد بلان ونزهة يونس.

عام 1963 علم شويري أن هناك تحضيرات تجري في الكواليس لإحياء مهرجانات بعلبك بإشراف الموسيقار روميو لحود، فقصده في مكتبه ومن هناك اصطحبه لحود معه في نزهة بسيارته واعداً إياه بإعطائه دوراً صغيراً في مسرحية «الشلال». في تلك الأثناء كان الأخوان عاصي ومنصور الرحباني يبحثان عن وجوه فنية جديدة، فأعجبا بأداء إيلي على المسرح، وهكذا بدأ رحلته مع الفن الأصيل معتبراً أن هذه الفرصة خولته التعرف على موهبته. فشارك مع الرحابنة في خمسةٍ وعشرين عملاً مسرحياً بينها: «الشخص» و«فخر الدين» و«الليل والقنديل» و«صح النوم» و«دواليب الهوا» وفيلم «بياع الخواتم». ووصفه الإعلامي سعيد فريحة مؤسس دار الصياد بأنه «أيقونة في معبر الرحابنة».

لم يكتف شويري بوقوفه إلى جانب كبار الممثلين والمطربين، فأطلق العنان لأعماله، فكتب «بلدي» و«أنت وأنا يا ليل» من شعره وألحانه وغناء وديع الصافي.

الانفصال عن الرحابنة

عام 1966 تزوج إيلي شويري من عايدة أبي عاد ورزق منها ثلاث بنات، وإثر خلافٍ مع الرحابنة انفصل شويري عنهم ولجأ إلى وسيلة مسموعة ليخرج ما في أعماقه من مشاعر وأحاسيس ساورته بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، وقدم بالتعاون مع الصحافي سامي غميقة برنامج «يا الله» وهو انتقادي اجتماعي لاقى نجاحاً عبر أثير إذاعة «صوت لبنان».

ثم التقى المطربة صباح في مسرحية «ست الكل» وكانت فاتحة خير جديدة لمسيرته الفنية، فكتب ولحن «تعلا وتتعمّر يا دار»، وذاع صيته وأخذ يُحيي حفلة تلو الأخرى فتحسنت حالته المادية بعدما كان يعاني من وضع معيشي متردٍ.

وكان شويري أوجد شهرة أكثر من فنان، بينهم داليدا رحمة فكتب لها مسرحية «قاووش الأفراح» وغنت له «يا بلح زغلولي» التي صارت على كل شفة ولسان.

وكذلك غنت له ماجدة الرومي «سقط القناع» و«مين إلنا غيرك» و«ما زال العمر حرامي» وتنافست صباح وسميرة توفيق على أداء أغنية «أيام اللولو» التي أثارت في حينه زوبعة في عالم الغناء، خصوصاً أن الأولى نسبت الأغنية اليها، على حين أكدت الأخرى أنها كانت السبّاقة إلى اختيارها. إلا أن الأغنية راجت بشكل لافت لدى المطربين بعد أن أدتها كل منهما على طريقتها.

نسج شويري شبكة صداقات مع قلة من زملاء المهنة، ليشكلوا رفقاء الدرب وبينهم فيلمون وهبي ونصري شمس الدين، إلا أن الأقرب إليه كان ملحم بركات، فكانا يمضيان أياماً كثيرة مع بعضهما، يتذكران فيها محطات من الماضي خصوصاً أثناء ممارستهما هواية الصيد.

الأعمال الوطنية

ومن أهم أناشيده الوطنية كانت أيقونة «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها عام 1973، وهي من غناء المطرب اللبناني جوزيف عازار لكن فيما بعد قدمها عدد من الفنانين العرب مثل النجم السوري دريد لحام.

يتحدث عازار عن هذه الأغنية التي لاقت شهرة واسعة في العالم العربي، حتى أنه فوجئ خلال جولته الفنية مع فرقة بيت الدين للرقص الشعبي في البرازيل بترجمتها إلى البرتغالية.

وتابع: «في عام 1979 التقيت بالقدير دريد لحام في معرض دمشق الدولي، وكان حينها رئيساً لنقابة الفنانين في سورية، قدمت حينها حفلاً غنائياً برفقة فرقة فولكلور فطلب مني لحام أن أعيد غناء الأغنية مرة ثانية، وتواصل معي بعدها لتنسيق لقاء في الشام، اعترف لي يومها أن الأغنية دخلت إلى قلبه، قدمت له الكاسيت ليسمعها دائماً، حفظها وغنى مقطعاً منها في مسرحية (كاسك يا وطن)».

أيضاً على صعيد الأغنية الوطنية قدم إيلي العديد منها، أبرزها: «صف العسكر» و«يا أهل الأرض» بصوته، وأغنية «تعلا وتتعمر يا دار».

قد لا يعرف كثيرون عن الراحل أنه مؤلف أيضاً، إذ كتب أشهر أغنيات وديع الصافي مثل: «زرعنا تلالك يا بلادي» و«بلدي» و«أنت وأنا يا ليل» و«من يوم من يومين» و«يا بحر يا دوار».

وتقديرا لعطاءاته الفنية والاجتماعية والوطنية، منحه الرئيس اللبناني السابق ميشال عون وسام الأرز الوطني من رتبة كومندور عام 2017.

وداع إلكتروني

ناصيف زيتون: «أعمالك رح تبقى محفورة بالذاكرة والقلب، نفسك بالسما».

لطفي بوشناق: «يا شاعر الأرض والحُب أيها الطيب، موسيقي منفرد بروعة ألحانه بفرحها وحزنها وبصمته عظيمة ومميزة في عالم الفن، شاعراً وملحناً وممثلاً يتمتع بخفة الظلال التي دخلت العقل دون إذن، كان لي الشرف بالتعامل معه في أول شريط في حياتي ببداية طريقي الفني بأغنية (يا ساكنة الفوق انزلي)».

راغب علامة: «إيلي شويري فنان بحجم الوطن، بصماته راسخة في تاريخ الموسيقى العربية، غنى للأرض والحب والوطن فكان عملاقاً، ولا زال مدرسة في الفن والأخلاق، برحيله خسر لبنان والوطن العربي قامة فنية استثنائية يبقى ذكراها مؤبداً.»

نجوى كرم: «كنت بصوتك وطن، وبلحنك وطن، وبحضورك وطن، ما رح ننسى أعمالك الشامخة».

يارا: «من عمالقة بلادي وصاحب تاريخ فني عريق، إيلي شويري وداعاً».

زين العمر: «قد سقط المارد واسمه سيبقى خالداً لكل الأجيال، رحل أهم من لحن وغنى للبنان، سنبقى نغني معك بكتب اسمك يا بلادي عالشمس اللي لما بتغيب»، وداعاً أيها العملاق الكبير إلى أن نلتقي».

كارول سماحة: «يرحل الكبار وتبقى أعمالهم راسخة فينا، إيلي شويري رح يبقى اسمك مكتوب عالشمس اللي ما بتغيب».

عبير نعمة: «وداعاً أيها الكبير الذي كان ممن رسموا خريطة الأغنية العربية، وداعاً لأب الأناشيد الوطنية، المبدع الإنسان الفنان الكبير رحل بعد أن أثرى الساحة الفنية على مدار ستة عقود بأعماله الإبداعية، عرفتك إنساناً رائعاً مبدعاً طيباً سنشتاق إليكَ دائماً».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن