توقيع مذكرة تفاهم بين سورية وسلطنة عُمان لحفظ التراث الشفوي … د. بثينة شعبان: الكتابة والوثيقة مهمة جداً من أجل تاريخ أمتنا … رئيس الوفد العماني: نبارك هذه الجهود ونثمنها ونتطلع إلى المزيد من التعاون
| مايا سلامي- تصوير عمار بدوي
تعد يوميات الحياة والعادات والتقاليد خصوصية في كل بلد من البلدان سواء على نطاق محلي أم قومي أو إقليمي أو عالمي، ولكل مجتمع خصوصيته ابتداءً من القضايا الشفوية المتوارثة وصولاً إلى القضايا المادية، فقد شهدت العقود الأخيرة تنافساً كبيراً بين البلدان لتوثيق هذا الإرث باسم هذه الدولة أو تلك، وهذه المدينة أو تلك، وفي سنوات الحرب على سورية تأسست مؤسسة وثيقة وطن بدافع وطني قومي وحضاري وعلمي لتوثيق التراث الشفوي ومجريات الحرب، من دون أن تهمل التوثيق في جوانب أخرى كالأطعمة والألبسة والعادات وغير ذلك، وتوسعت وثيقة وطن في عقد اتفاقات وشراكات مع الهيئات والمؤسسات التي تأخذ الاهتمام نفسه ومنها هيئة الوثائق الوطنية في سلطنة عُمان.
وانطلاقاً من العلاقات المميزة بين سلطنة عُمان وسورية، ورغبة البلدين في تأكيد وروابط الأخوة العربية، وقعت مؤسسة وثيقة وطن وهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية بسلطنة عُمان مذكرة تفاهم لتطوير وتعزيز التعاون بينهما في مجال التوثيق التاريخي وإدارة الوثائق والمحفوظات.
وتهدف المذكرة التي تم توقيعها أمس في مقر مؤسسة وثيقة وطن بحضور رئيسة مجلس أمناء مؤسسة وثيقة وطن الدكتورة بثينة شعبان، ورئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية العماني الدكتور حمد بن محمد الضوياني والوفد المرافق له، ووزير الشؤون الاجتماعية والعمل لؤي عماد الدين المنجد، إلى التعاون في مجال منهجيات التأريخ الشفوي والحفظ والتدريب والمؤتمرات والأبحاث المشتركة وتبادل الخبرات والمعارف في مجالات حفظ الوثائق وإدارتها ونشر ثقافة التوثيق والتأريخ الشفوي، ما يصب في بناء مرجعية لكتابة التأريخ الوطني بأيدٍ وطنية.
ونصت المذكرة على تبادل الخبرات في مجال الإدارة الرقمية للمحفوظات لتطوير العمل التوثيقي وحفظ الوثائق على المدى الطويل، وعلى أهمية تبادل الدورات التدريبية لتدريب العاملين وبناء قدراتهم الذاتية، إضافة إلى تبادل الدعوات للأنشطة والمؤتمرات والمعارض التي تقام في كلا البلدين والخاصة بمجال إدارة الوثائق والمحفوظات.
نواة أساسية
وفي تصريح لوسائل الإعلام قالت رئيسة مجلس أمناء وثيقة وطن د. بثينة شعبان: «نحن نتشرف اليوم في وثيقة وطن بزيارة رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات في سلطنة عُمان الدكتور حمد بن محمد الضوياني التي أنشأت بمرسوم من السلطان قابوس رحمه الله في عام 2007، وهذه الهيئة رائدة في مجال حفظ الوثائق في العالم العربي فلا أعتقد أن هناك بلداً عربياً آخر لديه هذه الهيئة القادرة والمتكاملة التي تحفظ ذاكرة الوطن بكل جوانبه من دوائر الدولة والقطاعين العام والخاص وذاكرة الناس».
وأضافت: «تجربتنا في وثيقة وطن ما زالت في بدايتها ومتواضعة بالمقارنة مع الإنجازات التي حققتها هيئة الوثائق والمحفوظات العمانية بقيادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني وبرعاية سلطانية، حيث كان لديهم وعي مبكر جداً لأهمية الثقافة والفكر والإبداع والحفاظ على كل هذه الوثائق».
وتابعت:»أرجو الله أن نتمكن من التعاون ليس في التوثيق فقط وإنما أيضاً في مجال البحث العلمي والإبداع الفكري، لتكون سورية وسلطنة عُمان النواة الأساسية لتعاون عربي في هذا المجال، لأنني دائماً أقول إن أمتنا العربية ما زالت إلى حد ما أمة شفوية، فالكتابة والوثيقة مهمة جداً من أجل تاريخ أمتنا ومن أجل تحليل وقراءة ما مرت به هذه الأمة لتداركه وعدم تكراره في المستقبل، بل تكرار التجارب الإيجابية التي أثبتت جدواها ومنفعتها لهذه الأمة.
وأكدت أننا في سورية نتشرف باستضافة كل أعضاء الوفد العماني للتعلم من خبراتهم ووضع برامج تنفيذية نقوم بها معاً لما فيها من مصلحة عُمان وسورية والأمة العربية كلها.
تعاون مثمر
من جانبه قال رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية العماني حمد بن محمد الضوياني: «نحن نثمن هذه الدعوة من الدكتورة بثينة شعبان لزيارة الجمهورية العربية السورية الشقيقة بعد زيارتها السابقة لبلدها الثاني سلطنة عُمان التي كانت فرصة طيبة لتطلع على جهود هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية ومجالات عملها المختلفة، كما أكدت هذه الزيارة رغبة مؤسسة وثيقة وطن في إقامة تعاون مثمر بين المؤسستين من خلال إعداد برنامج لتبادل الخبرات والتعاون في مجال الوثائق والمحفوظات وفي مجال التأريخ الشفوي والبحوث والدراسات المختلفة».
وبين أنه جرى اليوم حوار موسع حول مجالات العمل وما تقوم به مؤسسة وثيقة وطن من عمل عظيم يقوم على التطوع النابع من إدراك المعنيين بأهمية هذا التراث، ويدل على الجهود التي تم رسمها من هذه المؤسسة والتي مكنتها من تحقيق إنجازات مهمة على مستوى الوطن.
وأضاف: «نحن نبارك هذه الجهود ونثمنها ونتطلع إلى المزيد من التعاون، فمذكرة التعاون التي وقعناها (اليوم) هي السبيل الذي يقودنا إلى إجراء المزيد من الدراسات سواء في سورية أم في سلطنة عُمان حيث سنعمل معاً لتبادل الخبرات وعقد الدورات المختلفة وتبادل المعلومات والاستعانة بهؤلاء الخبراء لتقديم ما لديهم من إنجازات وأوراق عمل حول المشروع المهم الذي تقوم به المؤسسة».
وأوضح أن لهذه المؤسسة تطلعات وطموحات وآفاقاً للتوسع في مجال عملها وتوثيق الكثير من الجوانب، مشيراً إلى أنهم قاموا بلقاءات متعددة مع متطوعين امتدت خدمات تطوعهم لأكثر من خمس سنوات، وثباتهم وحبهم لهذه المؤسسة ولوطنهم العزيز هما شيء مبشر بالخير.
دور رئيسي
وأشار وزير الشؤون الاجتماعية والعمل لؤي عماد الدين المنجد إلى أنه يصادف هذا النشاط الذي تقيمه مؤسسة وثيقة وطن
وهي إحدى المنظمات غير الحكومية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية عيد الشهداء، مؤكداً أن لا شيء يضاهي تضحيات شهدائنا والدماء التي بذلت في سبيل الوطن.
وقال:»لكن جميعنا يعلم أن الحرب التي شنت على سورية كان هدفها الأساسي تراثنا وقيمنا وانقطاع صلة ماضينا بمستقبلنا، ومؤسسة وثيقة وطن تقوم بدور رئيسي وأساسي وهي جزء من صمود شعبنا للتصدي لمحاولات إزالة تراثنا المادي واللامادي من خلال خطط منهجية تستهدف وجودنا كأشخاص».
وكشف أن زيارة الوفد العماني ستساهم في إضفاء قوة فنية وقدرات لمؤسسة وثيقة وطن من خلال الإفادة من التجربة العمانية في هذا المجال، مؤكداً جاهزية وزارة الشؤون الاجتماعية لتقديم أي دعم مادي ولوجيستي ومعنوي للوثيقة.
باكورة عمل مهم
وفي البداية رحبت الدكتورة بثينة شعبان برئيس هيئة الوثائق والمحفوظات في سلطنة عُمان والوفد المرافق له، مشيرة إلى أهمية التعاون الذي بدأ بزيارة للمؤسسة إلى هيئة الوثائق والمحفوظات في سلطنة عُمان عام 2021، ويتوج (اليوم) بتوقيع مذكرة التفاهم للوصول إلى برنامج عمل يتضمن تبادل الخبرات والوصول إلى بناء مرجعية وطنية في توثيق وحفظ الوثائق الوطنية ما يحفظ الهوية الوطنية ويساهم في كتابة تاريخ البلد بأيدي أبنائه.
وأكدت الدكتورة بثينة شعبان أهمية التعاون للنهوض بملف التوثيق والأرشفة والحفاظ على تاريخنا، لأن الحرب اليوم هي حرب هوية والتعاون ضروري للحفاظ على الهوية الوطنية والقومية، مشيرة إلى أن هذا التعاون سيكون باكورة عمل مهم على مستوى البلدين وعلى مستوى العالم العربي.
كما أكدت الدكتورة شعبان أهمية ما قدمته عُمان من إنجازات في المجال التوثيقي وهي إنجازات نسعى للتعلم منها والتوصل إليها، فعُمان قطعت شوطاً كبيراً في التوثيق والاحتفاظ بالهوية، وخاصة أن الحفاظ على الهوية لا يعني الانغلاق وإنما الانفتاح والثقة والفخر بهويتنا.
توثيق العلاقات
كما أشار الدكتور حمد بن محمد الضوياني في بداية حديثه إلى أن هيئة الوثائق والمحفوظات تعمل على تعزيز الهوية الوطنية ومواصلة الوصل مع الدول التي تتصل مع عُمان بعلاقات ممتدة تاريخياً، ولهذا نعمل في هيئة الوثائق والمحفوظات على توثيق العلاقات مع مختلف البلدان الصديقة، ونتمنى لسورية الازدهار وتحقيق طموحاتها.
وأوضح أن هيئة الوثائق تسعى من خلال هذه الزيارات العلمية والحوارات واللقاءات إلى تعزيز التعاون وتعزيز الجوانب الحضارية والثقافية التي ستتمدد عن طريق تبادل الخبرات والمعرفة بين الجهتين، كما سيكون هذا التعاون الجسر الذي يربطنا مع بقية المؤسسات السورية ما يساعد على وضع إطار عام لتطوير التعاون في المستقبل.