قضايا وآراء

كيف يحاصر النظام الأميركي ضحايا العنصرية

| تحسين حلبي

يبدو أن زوال الاستعمار من بلدان كثيرة طوال قرن من النضال ضده في هذا العالم لم يؤد إلى زوال عدد من القوانين التي فرضها على هذا العالم وعلى الشعوب والدول التي لا تزال تناضل ضد تدخله ونتائج استعماره، ومن أفظع هذه القوانين قانون يتهم كل من ينتقد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والجولان العربي السوري وأنظمته الوحشية والعنصرية، بمعاداة السامية، فيتحول إلى ضحية وليس إلى صاحب حق بوساطة هذا القانون العنصري إذا وقف ضد هذا الاحتلال لأرضه وضد التنكر لتاريخه وحقوقه فوق ترابه الوطني، وتطبيقاً لهذا القانون يصبح كل من يؤيد حقوق الشعب الفلسطيني معادياً للسامية وعنصرياً؟! لأن ما تطالب به فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي شعوب العالم بموجب هذا القانون الآن، هو التوقف عن وصف الكيان الإسرائيلي بالعنصرية وبممارسة نظام الأبارتايد والاحتلال.

هذا ما اتضح بشكل صارخ من تصويت 199 عضواً في المجلس التشريعي الفرنسي ضد مشروع قرار تقدم به 71 عضواً يطالبون بإدانة إسرائيل لأنها تفرض نظام أبارتايد العنصري على الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، فسقط مشروع القرار ودافع عن إسرائيل الوزير الفرنسي للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي لورانس بون قائلاً: «إن قيماً مشتركة تجمع بين فرنسا وإسرائيل ولا وجود لأي عنصرية في إسرائيل».

واتهم عضو المجلس مائير حافيف، وهو يحمل الجنسية الإسرائيلية أيضاً، كل من وافق على عرض هذا المشروع من أعضاء المجلس بمعاداة السامية والتحريض على معاداة إسرائيل لأنهم وافقوا على المشروع، ولم يبق له سوى المطالبة بمحاكمتهم بتهمة معاداة السامية! وفي بريطانيا لم يتوقف حزب المحافظين في مجلس البرلمان عن اتهام رئيس حزب العمال البريطاني السابق جيرمي كوربين بمعاداة السامية لأنه انتقد استمرار الاحتلال الإسرائيلي وسياسته ضد الفلسطينيين إلى أن فرض الحزب عليه الاستقالة عام 2020، وتبجح رئيس الحزب كير ستارمر الذي حل محله قائلاً بموجب ما ذكرته «رويترز» في 20/10/2020: «لقد جعلنا كوربين نفشل بمنع معاداة السامية وهذا يوم عار على حزب العمل، لكننا لن نفشل مرة أخرى في معالجة معاداة السامية»، وفي الولايات المتحدة جاء في الموقع الإلكتروني الرسمي لوزارة الخارجية أن الولايات المتحدة ودول الغرب المشاركة في اجتماع مشترك في بخارست في 26 أيار 2016 تبنت التعريف التالي لمعاداة السامية، أي معاداة اليهود وإسرائيل وتطلب من الجميع: «الالتزام به للتخلص من شرور المعادين للسامية»، وجاء في نصه: «إن معاداة السامية أحد المفاهيم الموجهة ضد اليهود وهو كل تعبير عن كراهية اليهود سواء بالعبارة أم بالعمل الملموس المباشر ضد أفرادهم وممتلكاتهم ومؤسساتهم اليهودية ومنشآتهم الدينية وكل ما يوجه منها ضد إسرائيل لأنها تمثل الجماعة اليهودية»،

لقد عينت الإدارة الأميركية مبعوثاً يهودياً أميركياً خاصاً، يتولى من مكتب خاص له ولفريق عمله في مبنى وزارة الخارجية الأميركية، مهمة ملاحقة كل من يتهمونه بمعاداة السامية في العالم ومخاطبة الحكومات رسمياً بمنع أي شكل لمعاداة السامية في بلدانها أو ثقافاتها، ومن الواضح أن ما تهدف إليه كل هذه الإجراءات والسياسات الغربية التي تقودها الدول التي مارست الاستعمار، هو حماية الاحتلال الإسرائيلي ومحاصرة ضحيته التاريخية من الفلسطينيين والعرب لفرض الاستسلام عليهم ومنعهم من المطالبة باستعادة حقوقهم الشرعية والوطنية بعد قرن على احتلال بريطانيا لفلسطين ومنحها للحركة الصهيونية.

إن أخطر ما تشكله سياسة الاستعمار ودفاعها عن العنصرية والاحتلال الإسرائيلي في هذا النظام العالمي الأميركي هو أنها تسعى إلى محاصرة شعوبها وفرض ما لا يتفق مع حرياتها وثقافاتها وليس فقط إلى محاصرة الشعب الفلسطيني الضحية المركزية لهذا الاحتلال العنصري، ومن يقف معه في العالم ضد هذا الكيان الاستيطاني الذي هزمت كل أشكاله في جنوب إفريقيا والجزائر وزيمبابوي منذ عقود طويلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن