انتشرت أعماله في أنحاء العالم ولقي التقدير الكبير … سبهان آدم لـ«الوطن»: لا أتبع أي مدرسة فنية والفن متغلغل في داخلي
| مايا سلامي - تصوير: طارق السعدوني
فنان مبدع خلق بفنه ولوحاته مملكته الخاصة، شخوصها كائنات استمدها من واقع الحياة التي نظر إليها بعينين ملؤهما المحبة والشغف والطموح، فأغنت تجربته الرائدة الحركة التشكيلية المحلية والعالمية وبات اسمه وتوقيعه جواز عبور لأعماله لأي بلد كان.
إنه الفنان التشكيلي السوري والعالمي سبهان آدم الذي افتتح قبل أيام قليلة في دمشق معرضه الفردي «رابونزيل» الذي استكمل فيه مسيرته المميزة في الفن والتي عمد فيها إلى تصوير الواقع بفطرية وطفولية بعيداً عن الزيف والتصنع.
وفي حوار خاص له مع «الوطن» خضنا أكثر بتفاصيل معرضه وفنه ورؤيته:
• في البداية حدثنا عن الفكرة التي طرحتها في معرضك الأخير وماذا حملت من بصمات وأفكار جديدة؟
تضمن المعرض سبع لوحات منها ما أنجز في عام 2022 ومنها في عام 2023، وكان هناك تباين في الأعمال التي قدمتها، فبعضها كان من نمطي الخاص والمعروف بالرسم، والبعض الآخر تضمن أشياء مختلفة من الخط الجديد الذي اتخذته مؤخراً في فني وركزت من خلاله على الأعمال الطفولية أو العفوية حيث أترك عقلي للواقع وأعطي الآخرين فرصة ليكونوا أفكارهم عن اللوحة، كما أحاول أن تكون اللوحة سهلة على المتلقي ليرسمها وقريبة من جو الناس والأطفال حيث أرى في ذلك نوعاً من تشجيع الآخرين على الرسم من دون الدخول بالكليات والأكاديميات.
• حمل المعرض عنوان «رابونزيل»، فما سبب هذه التسمية التي اخترتها له؟
جاءت التسمية من «متلازمة رابونزيل» وهو مرض نفسي يصيب النساء عادة بسبب ضغوط المجتمع الذكوري، وتتمثل أعراضه في نتف الشعر وأكله حتى يصبح هناك منطقة فارغة في الرأس وكل ذلك يحدث نتيجة التنمر أو التمييز القائم على النوع الاجتماعي وظلم المرأة من قبل الأخ أو الأب أو الزوج أو الشارع أو المجتمع، فقدمت لوحات لنساء فروة رأسهم خالية من الشعر للإشارة إلى الضغط النفسي السيكولوجي، وأعمالي كلها تسلط الضوء على مثل هذه القضايا.
• تميز المعرض بالقصص الهزلية القصيرة التي رافقت اللوحات، فلماذا اخترت التعبير عنها بهذا الأسلوب الساخر؟
التعليقات التي رافقت اللوحات فيها نوع من الكوميديا السوداء لتلائم الأعمال التي بدورها تحمل روحاً ساخرة، وطوال عشرين سنة لم أضع لأعمالي عناوين وكنت أرفض عنونتها، لكن من فترة حديثة أي منذ نحو أربع أو خمس سنوات أصبحت أضع عناوين لأقرّب للآخر صورة العمل أو شرحه.
• ما الرسالة التي أردت إيصالها من خلال هذا المعرض؟
رسالتي كانت دعوة الشباب إلى القدوم ومشاهدة هذه الأعمال ليحصلوا على بعض الطاقة الإيجابية في ظل هذا الخمول والخراب الداخلي والروحي الذي نعيشه جراء آلات الحرب المستمرة منذ أكثر من 12 عاماً، وأعتبر هذا المعرض بمنزلة الأمل أو الإشعاع بالنسبة للشباب ودعوة أيضاً لهم ليحرروا أفكارهم في الرسم كما أفعل أنا حيث أبتدع بخيالي قصصاً تجعل العمل منفرداً.
• طالت أعمال المعرض بعض التعليقات السلبية، فما ردك عليها؟
يحاولون التشويش على تجربتي أولاً بسبب النجاح الكبير الذي أحققه وأنا لم أدرس الفنون الجميلة، وعندي نشاط هائل ومبيعات قياسية أينما ذهبت، لذلك لا أستمع للنقد كثيراً وذلك ليس استعلاءً أو تكبراً مني إنما هو طبع ذاتي فأنا أعيش بانعزال عن المجتمع المهني والإنساني وهذا أمر شخصي.
لكن من المؤكد أن الحرب التي مرت بها سورية خلفت وراءها الكثير من العقد والأمراض التي انتشرت بين أفراد هذا الجيل، فمعظم الكلام الذي قرأته وتابعته كان صادراً عن شباب محبطين لا يملكون نوافذ لإخراج طاقاتهم ويواجهون مشكلات في إنجاز اللوحات والمعارض، لذلك هم يهاجمون أي شخص ناجح سواء أنا أم غيري مع أنني طوال سنوات الأزمة في سورية رعيت الكثير من النشاطات على حسابي الشخصي ودعمت الكثير من المعارض للشباب والأطفال.
والنقد يأتي دائماً من أشخاص غير معروفين ولا يملكون الخبرة والمعرفة وعلى الأغلب هم مدفوعون من أساتذتهم في الأكاديميات الفنية، فالعديد من الطلاب يرغبون في الرسم مثل أسلوبي لكنهم يحاربون ولا يحصلون على أي علامة من أساتذتهم لأنهم يعتبرون ما أقدمه ليس فناً، ومن المؤسف أن أقابل بهذه الطريقة المشينة في بلدي رغم انتشار أعمالي في العالم، وهذه الظاهرة محلية أو سورية فقط ففي بيروت مثلاً هناك طلاب يقدمون رسائل ماجستير ودكتوراه عن أعمالي وفني.
وفي المحصلة أنا فنان لي أسلوبي الخاص وموضوعاتي التي أتميز بها وموادي التي أنجز أعمالي بها وقد قطعت أشواطاً ولقيت استقبالاً جيداً، ولا يجب أن ألتفت إلى النقد الموجه إلى النجاح بما يحمله من اتهامات.
• في السنوات الأخيرة عاش العالم جملة من الأحداث القاسية والصعبة، فكيف أثرت تلك المجريات على فنك؟
في الحقيقة أنا امتلك القدرة على عزل نفسي عن كل ما يدور حولي فأخلق جنة في دماغي لأنفصل عن واقعي حيث أحلق بعيداً جداً عن هذا العالم وأدخل في مراحل لا يصدقها العقل أكون فيها بمنأى عن الحرب وعن سورية، أعيش في جنة أجمل من الريف الفرنسي واصطنع كائنات تمشي معي وأخلق حورياتي الخاصة من أجمل النساء ذوات الشعر الأحمر والنمش يزين وجوههن.
• ما دمت تتصور كل هذا الجمال في مخيلتك لماذا لا تعكسه في أعمالك؟
نظرة المجتمع للوحة تختلف بين مكان وآخر والأمر متباين فما هو قبيح هنا جميل في بلد ثان، وأنا موجود بدمشق بجسدي لكن عملي وفكري لا ينتميان إلى هنا، فالناس هنا يشاهدون عملي كما هو متداول شيطاني وبشع جداً دون النظر إلى ما يخفيه وراءه، ففي الواقع أنا إنسان طيب يكره الضوضاء أمتلك دعابة تجاه الأشياء التي أراها جميلة في عالمي الخاص، على عكس عدد كبير من الفنانين الذين يرسمون مناظر طبيعية خلابة ونساء جميلات وأعمالاً رومانسية وهم في الواقع بعيدين كل البعد عن الصورة التي يقدمونها.
• ما السر وراء تكوينات الشخصيات التي ترسمها؟
عندما أرسم لا أتبع أي مدرسة فأنا ضد كل المدارس، وأرسم بإحساسي وبفني الذاتي، فالفن متغلغل في داخلي حتى أصبح سمتي أمام الآخرين وعند إنجازي لأي لوحة لا أفكر في الموضوع الذي يجب علي رسمه أو كيفية تعبئة هذا الفراغ، فأبتدع في مخيلتي قصة خيالية أرى فيها مثلاً أحصنة بأجنحة ملكية أشورية وعيون زرقاء وأضع لها البوتوكس على خدودها كما هو حال نساء اليوم اللواتي يخدعن أزواجهن. وبعض الناس يرون أن لوحاتي مكررة لكن في الواقع هي ليست كذلك، فالحمير الوحشية مثلاً مخططة بالأبيض والأسود والناس يعتقدون أنها متشابهة لكن خطوط كل منها تختلف عن الآخر وتعد بصمة مميزة له، وهكذا هي أعمالي سلسلة أشبه بالحمير الوحشية التي لا تتشابه بشيء.
• تعد من الفنانين السوريين والعالميين، فما دور العالمية في حياتك وكيف وصلت إليها؟
الأمر بسيط وهو المنتج البصري الذي يعد صلة وصلي بالآخرين فالأمر هو رهان على اللوحة وليس على أي شيء آخر، ومن خلال المعارض المشتركة التي أقمتها سابقاً وظهوري بلقاءات في عدد من وسائل الإعلام العالمية والإذاعات الفرنسية لأعكس وجه نظري بالفن، فكل ذلك يقوي العمل ويزيل الحجاب من أمام أعين الآخرين ليشاهدوا أعمالي بوضوح، لذلك لا يوجد سر في هذا الموضوع وهو نابع من الجهد الفردي والشغف الذي يلعب دوراً مهماً ليقود الفنان إلى الإبداع والعمل.
• كيف ترى واقع الفنان السوري في بلده اليوم؟
نحن الرسامين ندفع كلفة باهظة جداً لأنها مهنة غير رائجة ولا يوجد هناك سوق وأناس يشترون لوحات، وعلى مدار حياتي لم أشاهد فناناً استطاع أن يعيش ويكون أسرة من فنه فقط ومن حقق ذلك هم حالة خاصة ونادرة. لذلك نصيحتي للشباب اليوم هي أن يتعلموا أي مهنة أخرى غير الفن لأنه لن يحقق لهم ثروة وحياة كريمة، وكثيرون قد لا يعجبهم كلامي لكن في النهاية هذا هو الواقع.