عادةً ما نتعرَّض ككُتَّاب أو صحفيين لهجومات شرسَة على المواقع الإلكترونية أو صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي تقوم بنقل ما نكتب، هذه الهجومات جميعها مقبولة عدا تلكَ التي لا تقدّم أي رأي سوى الشتيمة أو التكفير، أما تلكَ التي قد تختلف معكَ تماماً بالفكرة لكنها لا تدخل في سياق التجريح أو الشتم فهي بالمنطق العام إضافة حقيقية لما تكتب وقد تقوم بتصويب ما غابَ عن ذهن الكاتب خلالَ إعداد الزاوية، هذا الأمر نراهُ كثيراً على صفحة جريدة الوطن مثلاً، هناك تعليقات يبدو وكأنَّ صاحبها لم يقرأ سوى العنوان، آخر لا تعجبه صورة الكاتب وكأنَّ الكاتب ينشر صورته بقصد البحث عن زوجة بما يرضي الله، الآخر لديه فكرة مسبقة أن كل ما يُنشَر في الإعلام السوري بمعزل عن ماهيته عام أو خاص مكتوب في أقبية المخابرات، أو يوحى لكاتبه من جهات عليا هنا عليك أن تبتسم من مبدأ «صيت غنى ولا صيت فقر»، علماً أن بعض هذه الزوايا تحمل انتقادات بمساحة واسعة لكنها لعنة الأفكار المسبقة التي لا تريد أن تبتعد عن ذهن المريضين بها، البعض فعلياً يُبدي اهتماماً بالفكرة سلباً أو إيجاباً، مع ذلك لم نر الزملاء مثلاً في الصحيفة قاموا بحذف التعليقات التي تنتقد الصحيفة أو تنتقد الكاتب، على العكس أحياناً هذه الأفكار المتضاربة تخلق مساحة للنقاش بين المعلقين أنفسهم قد تكون حواراً جميلاً أو للأسف حفلة شتائم لا تنتهي، لكن ما مناسبة هذا الكلام؟
عندما نتحدث عن أي جهة من جهات القطاع العام فنحن نتحدث عن جهة مملوكة للشعب، المسمى الدستوري والتوصيف القانوني لهذه الجهة الحكومية أنها وجدت لخدمة هذا الشعب، الموظف فيها يتلقى الراتب من الضرائب التي يدفعها هذا الشعب رغمَ ضيق الحيلة، لن ندخلَ في الأداء العملي لهذه الجهات الحكومية لأنَّ الوضع العام والأداء لا يحتاجان إلى أي شرح، لكن أن تكون هذه الجهات الحكومية غير قادرة على تقبل تعليق فيسبوكي فتقوم بحظر التعليقات على بعض المنشورات كي لا يقترب الإخوة المواطنون من أصحاب السعادة فماذا نسمي هذه الإستراتيجية؟
هل هي إستراتيجية الاصطفاء الإلكتروني التي تقوم على اختصار التعليقات بمن يصفق ويهتف؟ أم هي سياسة التكرير الالكتروني بقوة التعليقات النابذة حيث تخرج التعليقات ذات الكتلة الوازنة لأن وجودها غير مرغوب فيه؟ ما الرسالة التي يود القائمون على بعض الصفحات الحكومية توجيهها من حجب التعليقات؟ هل هو قرار طفولي لمشرف يخشى ضياع بعض المكتسبات، أم فعلياً قرار من رأس الهرم في الجهة الحكومية المعنية؟ لماذا لا يكون في هذه الصفحات من يستطيع الرد على التساؤلات بدلاً من اختيار التعليقات وحجبها؟
في الخلاصة: نعترف أن مواقع التواصل الاجتماعي تحمل الكثير من السلبيات، لكن بذات الوقت حملت الكثير من الإيجابيات أهمها سرعة الوصول إلى الأخبار وتأمين السهولة والسلاسة في الحصول على المعلومات، هذه الصفحات لو يجري استثمارها بالشكل الأنسب لتحولت عملياً إلى مرجعية تُغني المواطن عن مراجعة الجهة الحكومية، لكن للأسف هناك من يريد تحويل هذه الصفحات لاستعراض الانجازات التي وللأسف لا نراها، باختصار ليست المشكلة بمن يختلف معنا بالفكرة المشكلة بمن لا يزال غير قادر على قراءة مجرد تعليق مختلف.