لا أحد يشك أن المستوطنين في منطقة غلاف قطاع غزة ما زالوا يفضلون البقاء خارج المستوطنات بانتظار رد فصائل المقاومة على الجريمة الوحشية التي ارتكبها جيش الاحتلال بقتل كوادر قيادية ونساء وأطفال في قطاع غزة أول من أمس، فالرعب والهلع من الرد ما زال يسود داخل الكيان الإسرائيلي بل إن الاطلاع على بعض وسائل التواصل الاجتماعي التي يتداول فيها عدد من المستوطنين الرسائل بالعبرية تعبر عن آراء لم تكن ترغب بوقوع هذه العملية الإسرائيلية وما سوف تحمله للمستوطنين من فزع وخسائر وهم ينتظرون بفارغ الصبر أن تنتهي هذه الجولة المقبلة من المعركة مع القطاع، ومع ذلك يبدو أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أدرك ضمناً طبيعة هذه المسألة فأراد بعد العملية إطلاق تهديد بأنه «على استعداد لتحمل مواجهة على عدة جبهات إذا ما قام الفلسطينيون بالرد» على عمليته الوحشية، وكأنه سيزيل بمثل هذا التهديد فزع المستوطنين أو أن يردع المقاومة عن المبادرة بالرد، فنتنياهو يدرك أن طبيعة وضعه الراهن ومنذ سنوات كثيرة لا تتيح له المجازفة بحرب شاملة على عدة جبهات وهذا ما جعله يفضل اللجوء إلى معارك استنزافية بين فترة وأخرى ضد القطاع وضد سورية لترويض المقاومة ونزع قدراتها بأي شكل ودون أن يحقق أهدافه.
إن سجل حركة المقاومة في الأراضي المحتلة يدل على أن فصائلها لا يمكن إلا أن ترد عمليا كعادتها على جرائم الاحتلال، وفي تحليل إسرائيلي للسيناريوهات المحتملة حول كيفية مواجهة جيش الاحتلال لرد المقاومة يرى المحلل العسكري نوعام أمير في صحيفة «ماكور ريشون» أول من أمس أن «المسؤولين الإسرائيليين يرون أن العملية في القطاع تكون قد حققت أهدافها إذا امتنع الفلسطينيون عن الرد».
ويضع أمير عددا من السيناريوهات المحتملة للرد الإسرائيلي على الرد المتوقع لفصائل المقاومة:
1- السيناريو الأول هو إذا ردت الفصائل بإطلاق عشرات أو مئات القذائف والصواريخ على منطقة محدودة في مستوطنات غلاف القطاع فقد يرد الجيش على نقاط محدودة من الأهداف فيعقب ذلك وقفاً للنار عن طريق الوسطاء.
2- إذا ما استمرت الفصائل بإطلاق الصواريخ لعدة أيام سيقوم الجيش حينها بتوسيع نطاق عمليات نيرانه.
3- إذا توسع نطاق نيران الفصائل بمشاركة مباشرة من حركة حماس فسيجد الجيش نفسه منجراً إلى القيام بعملية تتطلب أياماً كثيرة.
4- إذا شاركت جبهة جنوب لبنان بإطلاق الصواريخ فسيجد الجيش نفسه أمام اتساع رقعة المواجهة في جبهة الشمال
5- السيناريو الخامس وهو أن تختار حركة الجهاد الإسلامي وبقية الفصائل موقف الانتظار لتحديد موعد يناسبها في فتح النيران وهذا السيناريو سيضع الجيش في وضع التأهب الدائم والقلق بانتظار ساعة المبادرة بالهجوم الفلسطيني فيفضل الجيش شن عملية أخرى أثناء هذا الانتظار.
ومن الواضح أن كل واحد من هذه السيناريوهات يحمل للكيان ولجيشه وللمستوطنين حالة ردع تستنزف أعصابه وقدراته سواء رد بشكل واسع أم محدود أو لم يرد، وهذه هي الدوامة التي فرضتها فصائل المقاومة على الكيان والمستوطنين وجيشهم وهي تشير إلى مظاهر الضعف المعنوي والى الطريق شبه المسدود الذي يجد جيش الاحتلال نفسه فيه منذ سنوات ودون أن يكون في مقدوره إزالة نتائجه السلبية عليه، فلا هو قادر على التخلص من أسلحة المقاومة، ولا على ترويضها حتى بعد سلسلة الحروب والعمليات العسكرية التي نفذها ضدها منذ أكبر اجتياح قام به أريئيل شارون عام 2002 في الضفة الغربية وآخر حرب شنها نتنياهو على قطاع غزة قبل أكثر من خمس سنوات.
ولذلك كان المحلل العسكري العجوز رون بن شاي في صحيفة «يديعوت أحرونوت» قد اعترف في أحد تحليلاته بأن المقاومة الفلسطينية تمكنت بفضل الدعم من سورية وحزب الله وإيران من الاستفراد بقيادة ثلاث جبهات حرب ضد إسرائيل واحدة من قطاع غزة وثانية من داخل الضفة الغربية وثالثة من جنوب لبنان إضافة إلى جبهة حدود الجولان وما زالت هذه الجبهات تستنزف الجيش والمستوطنين.