أردوغان… عودة إلى الأصل
| صياح عزام
كل ما قيل منذ حوالي خمس سنوات عن أن «حزب العدالة والتنمية» التركي بقيادة العثماني أردوغان لا يمكن أن يخذل فلسطين، ولا أن يفرط بـ«حرية غزة» وأنه يشترط لإعادة العلاقات معها فك الحصار عن غزة وأن كل الألقاب التي وصفته بـ«الفاتح والمنقذ» وأردوغان «العربي» وأنه «خامس الخلفاء الراشدين»، كل هذا ذهب أدراج الرياح، وكان مجرد وهم وتخريف وتضليل لا يخدم إلا أجندة أمريكية – إسرائيلية، وخاصة بعد أن أصبحت تركيا على وشك التوقيع على «اتفاق نهائي» لاستعادة وتطبيع العلاقات مع إسرائيل (التي لم تنقطع أصلاً) وطي صفحة الخلافات التي أعقبت حادثة (مرمرة) في العام 2010.
هذا وينص الاتفاق المبدئي الذي تم التوصل إليه في سويسرا على جملة من الأمور أهمها:
– إحداث صندوق تعويضات إسرائيلي لضحايا حادث مرمرة بقيمة عشرين مليون دولار.
– تغلق تركيا ملف هذا الحادث وتوقف أي مطالبات أو دعاوى وشكاوى مرفوعة ضد مسؤولين إسرائيليين جراء الحادث.
– تبادل السفراء بين البلدين بعد أن ظل التمثيل الدبلوماسي بينهما على مستوى القائم بالأعمال في الفترة الماضية.
– بدء مفاوضات بين الطرفين لإمداد تركيا بالغاز الإسرائيلي عوضاً عن الغاز الروسي.
– طرد القيادي الحمساوي (صالح العاروري) من تركيا وعدم السماح له بالعودة إليها، ووقف أي أنشطة عسكرية أو سياسية لحركة حماس على الأراضي التركية، وهنا نذكر بواقعة مخزية وهي أن إسماعيل هنية بايع أردوغان سابقاً على أنه خليفة المسلمين.
والجدير بالذكر أن هذا الاتفاق المبدئي جاء بمبادرة وإلحاح تركيين وفقاً لما نقلته وكالات الأنباء، إن هذا الاتفاق غير المستغرب وغير المستهجن من المفترض أن يثير ضجة كبيرة لدى أنصار أردوغان من العرب، وحتى من قبل عشاقه ومريديه من جماعة الإخوان المسلمين الذين أبدوا شغفاً منقطع النظير بأردوغان، إلا أن هؤلاء لاذوا بالصمت وكأن شيئاً لم يحدث.
في الحقيقة، لا يؤخذ على تركيا ما أنجزته مع إسرائيل من تفاهمات واتفاقات، إذ إن تركيا تراعي في سياستها الخارجية مصالحها الخاصة، سواء كان الحكم فيها إسلامياً أو علمانياً كما كان سابقاً، ولكن لا بد من تذكير من أصابتهم (لوثة العمى الأيديولوجي) بمجموعة من الحقائق والمعطيات:
1- إن قصة طرد «العاروري» الحمساوي من تركيا تُذكر الجميع بقصة «مشعل» في سورية، عندما جاء وزير الخارجية الأميركي آنذاك «كولن باول» وطلب من الرئيس الأسد طرد (خالد مشعل) من سورية، وهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور إن لم يحصل ذلك، وبالفعل رفض طلب (باول) وبقي مشعل في دمشق حتى غادرها طوعاً في عز الأزمة السورية. والسؤال كيف سيُفسر المعجبون بأرودغان هذه المفارقة؟
2- إن الذين مازالوا يُبدون شغفاً بأردوغان، ماذا سيقولون بعد أن يصل الغاز الإسرائيلي إلى عاصمة الخلافة «أنقرة»؟ هل سيكذبون هذا؟ ما الذي ستتفتق به قرائحهم حول ذلك؟
لا شك أنهم سيلوذون بصمت القبور، علماً بأنهم يأخذون على مصر والأردن المكبلتين باتفاقيتي كامب ديفيد ووادي عربة بشأن صفقات الغاز بينهما وبين إسرائيل، هذه الصفقات المتعثرة التي يحتدم الجدل حولها الآن.
3- منذ حادث سفينة «مرمرة» التركية وحتى الأمس القريب، كان القادة الأتراك وعلى رأسهم السفاح العثماني أردوغان يشترطون لاستئناف العلاقات مع إسرائيل رفع الحصار الظالم عن قطاع غزة، وها هي العلاقات (التي لم تنقطع أصلاً) تُستأنف على أوسع نطاق فيما الحصار ما يزال محكماً حول سكان غزة، والسفراء سيعودون قريباً، بينما ما زال مؤيدو أردوغان يجترون موقف أردوغان في «دافوس» عندما غادر القاعة –تمثيلاً- تاركاً (بيريز وعمرو موسى) في القاعة.
4- ما يلفت النظر ويبعث على السخرية، أن مؤيدي «أردوغان» لا سيما من الإخوان المسلمين وأتباعهم يتظاهرون بعدائهم للولايات المتحدة والغرب وإسرائيل، ويصفونهم بأعداء فلسطين والعرب والإسلام، علماً بأنهم أوّل من استنجد بأميركا لتدمير سورية، حتى أن (أحمد أوغلو) رئيس الوزراء التركي صرح مؤخراً بأن حدود تركيا الجنوبية مع العراق وسورية هي «حدود حلف الأطلسي»! كذلك كانت اتفاقيات كامب ديفيد في عهدي السادات ومبارك «ملعونة» يجب مقاومتها، على حين أصبحت في عهد «مرسي» القصير «مظلة» يتعين احترامها والالتزام بها! أليست هذه مفارقة عجيبة؟!
الخلاصة: إن خطاب أردوغان هو خطاب مذهبي، ويكفيه أنه يتجر مع داعش بالنفط المسروق من العراق وسورية ويدعمها بكل ما يستطيع ويتحالف مع (النصرة وأحرار الشام) وينشر قواته العسكرية في الموصل تمهيداً لضمها إلى بلاده، ويقتل الأكراد، إضافة إلى جريمته الكبرى بتدمير سورية، وبالتالي، فإن سياسته وسياسة حزبه «العدالة والتنمية»، انقلبت من صفر مشاكل مع الدول المجاورة وغيرها رأساً على عقب لتؤدي إلى تصفير المشاكل مع إسرائيل.