الأرض الفلسطينية المحتلة تتعرض لعدوان إسرائيلي جديد متجدد يستهدف الأرض والبشر، والناس في كل مكان يتفاعلون مع الفلسطينيين وما يجري على الأرض، ويخرج علينا واحد من مشاهير الفلسطينيين في فيديو تم تناقله، وحين وصلني كنت حريصاً على مشاهدته لأعرف من خلال هذا الفيديو ما يجري في الأرض المحتلة، لأفاجأ بالسيد الجليل، وبدافع من الإيديولوجيا لا يذكر كلمة واحدة مما يجري في القدس وعلى أرض فلسطين الحبيبة! وكأنه لا يحدث أي شيء، وكان الفيديو موجهاً إلى الذين انشقوا عن حزب العدالة والتنمية، يدعوهم بحق معرفته بهم ولقاءاتهم وتواصلهم أن يعودوا إلى بيتهم الحزبي! كل ما كان من هذا الرجل هو دعوة إيديولوجية حزبية للذين ينتمي إليهم أن يتوحدوا ويجتمعوا في بيت الحزب، ودون مقدمات فهذا يشي بأهمية السياسة والإيديولوجيا ورغبة الاحتفاظ بالسلطة أكثر من أي شيء آخر، والسيد لا ينتمي قومياً وجغرافياً لهم، وله مشكلاته الكبرى التي يجب أن يهتم بها، وانتماؤه ا لحزبي جعله يتجاهل ما يربط هذا الحزب مع الكيان الإسرائيلي، وبالطبع هو يتوجه بمنشور سياسي ولا يناقشه أحد..! وهذا يذكر بمجريات تجري على الأرض العربية اليوم، حين ينادي واحدهم بالحياة لدول وشخصيات، ثم لا يلبث أن يعود عن ذلك، ففي إحدى الحواريات حاول أحد المؤدلجين السوريين إحراج ضيفه في حديث عن الانفتاح على سورية، فباغته ذلك الشخص الذكي قائلاً: سنرى موقفك عندما يتغير رأي من أنت على أرضهم..!
فهذا السوري يريد من السعودي والعربي عموماً أن يكون عدواً لسورية، وأن يستمر على عدوانيته، وإن لم يفعل فالويل له، ليبقى هو في مكانة المنظّر والمتحدث والمتحذلق، كما فعل السيد الذي أرسل رسالة وجدانية لمنشقي حزب العدالة والتنمية، فكلاهما يعرف مصلحة من يتوجه إليهم بالحديث أكثر منهم!!
المهم أن الأرض العربية لا تعاني أي مشكلة، ولا تحتاج أي جهد من جهود أبنائها المخلصين أو غير المخلصين، لذلك توجه أبناؤها إلى الاهتمام بشؤون الآخرين، والأكثر أهمية يتمثل في أن العرب استأثروا بتعاطف العالم كله، وصار لزاماً عليهم أن يهتموا بالعالم الآخر! وأنهوا جميع مشكلاتهم وصاروا يساعدون العالم على حلّ مشكلاته!
في هذا السياق، وهو من الأهمية بمكان، ويتعلق بالانتماء والروابط، أذكر أحاديث كانت تكثر في الثمانينيات من القرن العشرين، خاصة في ظل أحداث الإخوان في سورية، وعادت فيما بعد مع تفكك دول الاتحاد السوفياتي، وتتمثل في سؤال خطير يجب أن نطرحه على أنفسنا: من هو الذي يعنيني أولاً وبالدرجة الأولى؟ هل أنتمي إلى مكاني أم إلى الإيديولوجية؟
فأخطر ما حدث في ثمانينيات القرن العشرين كان في تحوّل الانتماء والاهتمام من المكان إلى الإيديولوجية والمصالح، وكان هذا الأمر على نطاق ضيق لوجود فئة فكرية واحدة ترى انتماءها إلى دائرة محددة، وهي خارج حدود الوطن، وكانت غريبة تحاكم الناس فكرياً، وترتضي لنفسها ما لا ترتضيه للآخرين! كانوا يلومون الشيوعيين لأن ميولهم وهواهم لأحزاب علمانية أممية، وهذا وصل حدّ التخوين، ولكن عندما كان انتماؤهم على المحكّ لم يجدوا في ذلك غضاضة!
واستطاعوا في فكرهم وممارساتهم أن يسبغوا على ارتباطاتهم صفات العقيدة والقداسة!
واليوم ومع وسائل الاتصال، واتساع رقعة الفوضى والأحداث والحروب ظهرت الأزمة أكبر، فيمكن أن يسوّغ الاحتلال تحت ذرائع إيديولوجية! وأن توجد الأعذار لأي تصرف لمجرد الاتفاق الإيديولوجي ويمكن أن يتحالف واحدهم مع الغرباء! لأنهم يشاركونه الفكر! بل لا يجد واحدهم غضاضة في أن يجد بلده مدمراً لأسباب إيديولوجية! ويمكن أن يقبل التحالف مع الشيطان والأغراب على بلده وأبناء جلدته!
هذه الأحزاب العقدية والدينية العابرة للقارات والبلدان في كل مرة كانت قادرة على إيجاد المسوغات ونقلتها إلى الأحزاب العلمانية، وعندما تفكك الاتحاد السوفياتي كانت بلداننا في قلب الخطر، وكان الماركسيون في جلساتهم يتحدثون عن البيروستريكا أكثر من الشيوعيين!
أعود حزيناً لذلك المقطع الذي يدمي الفكر، والذي يتحدث فيه رجل مؤدلج، وهو يشهد انهمار العدوان على فلسطين وهو فيها ليدعو إلى وحدة حزبية لحزب تجمعه به رابطة، لأنه رأى مشكلة الحزب وانشقاقاته أكثر أهمية من بلده وما يحدث فيه!