وأخيراً اعترف الكيان الإسرائيلي بهزيمته أمام حرب الاستنزاف التي تشنها المقاومة عليه منذ عام 2006 بعد تحرير القطاع بصمودها وبقدراتها الصاروخية والمسلحة، ففي تعليق على آخر عمليات جيش الاحتلال الوحشية على قطاع غزة كتب رئيس تحرير صحيفة «جروزليم بوست» الإسرائيلية سابقا ياكوف كاتس في 12 أيار الجاري أن كل ما نفذه الجيش من عمليات عسكرية ضد القطاع لم تحقق منه إسرائيل شيئاً ويضيف: «عندما ننظر للسنوات الثماني عشرة التي مرت على الانسحاب الأحادي في صيف عام 2005 من قطاع غزة نجد أن الجيش الإسرائيلي قام بسبع عمليات عسكرية واسعة (بعضها يشبه حروب الاجتياح) على القطاع بمعدل عملية في كل سنتين ونصف السنة، ففي عام 2006 شن عملية أطلق عليها اسم «أمطار الصيف» وفي عام 2008 -2009 شن عملية «عمود الدفاع» وفي عام 2012 عملية «الجرف الواقي» وفي عام 2014 «الحزام الأسود» وفي عام 2019 عملية «حارس الأسوار» وفي عام 2021 عملية «الفجر البازغ»، وفي هذه الأوقات من عام 2023 شن عملية «الدرع والرمح» وما زال في الدوامة ذاتها»، وفي النهاية ما زال قطاع غزة يشكل بنية مقاومة مسلحة متقدمة لكل فلسطين وأهدافها في دحر الاحتلال وتحقيق الانتصار.
رئيس وزراء كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو أعد في عام 2018 مخططاً لتصفية القضية الفلسطينية والتخلص من المقاومة الفلسطينية بمجملها وليس في القطاع وحده بطريقة أخرى، وسلمه لإدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب باسم «صفقة القرن» التي تدعو لفصل القطاع عن بقية فلسطين وإعداد أراضيه لإنشاء دولة فلسطينية فيها بعد إضافة أراض أخرى لها من المنطقة القريبة لها، وعمل ترامب لفرض هذا المخطط على المنطقة وعلى الشعب الفلسطيني، فرفضت وقاومت هذا المخطط جميع الفصائل الفلسطينية والسلطة الفلسطينية في رام الله، وسقط على غرار كل المشاريع الأميركية– الإسرائيلية التصفوية لحقوق الشعب الفلسطيني، وصمد الشعب الفلسطيني داخل القطاع رغم كل أشكال الحصار المفروضة حوله من كل الجهات، وأكد في مواجهته لكل العمليات العسكرية الإسرائيلية على وحدته شعباً ووطناً بجميع أراضيه من النهر إلى البحر، وتمكن من تمتين هذه الوحدة بعد كل مجابهة ضد هذه العمليات العسكرية الوحشية وما فرضته من تضحيات وصمود، ويقول كاتس تعقيباً على هذه العمليات: بعد عملية «الدرع والرمح» الأخيرة هذه، سيكرر نتنياهو القول إن إسرائيل استعادت قدرة الردع ومنعت الفلسطينيين في القطاع والضفة الغربية تحقيق أي إنجازات وهو ما كانت تعلنه الحكومات ذاته منذ عام 2006، على حين تتزايد الصعوبات في حل هذا المعضلة».
إضافة إلى وجود هذا العجز الإسرائيلي ودوامته وما يسببه من مضاعفات، فإن أي مقارنة دقيقة بين طبيعة الخسائر التي يمنى بها الكيان الإسرائيلي بعد كل عملية عسكرية من هذا القبيل وتأثير نتائجها عليه، وبين خسائر قطاع غزة، تثبت أن الكيان ليس بمقدوره تحمل نتائجها، على حين أن الشعب الفلسطيني في القطاع يتحملها بإرادة صلبة وصمود منقطع النظير، وهذه الظاهرة نراها حين نجد أن المستوطنين بعد كل عملية عسكرية إسرائيلية سرعان ما يعانون من إصابات نفسية نتيجة الفزع والهلع من سماع أصوات تساقط الصواريخ والانفجارات المتكررة في أثناء الرد على كل عملية عسكرية إسرائيلية وهذا ما يجعلهم يستعينون بالأطباء النفسانيين الذين يستنفرون بالآلاف في تلك الأوقات لمعالجة المصابين بالهلع وبالانهيار النفسي وهم غالباً بالآلاف أو عشرات الآلاف بحسب الفترة التي تستغرقها المواجهة، وغالباً ما يطلب منهم الأطباء المتخصصون مراعاة الامتناع عن العمل في أثناء مدة العلاج التي تفرضها طبيعة هذا النوع من الإصابات، ففي كل مواجهة جرت كانت الهيئات الصحية والعيادات النفسية تعلن عن استعدادها لاستقبال هذا النوع من الإصابات الناتجة عن الاشتباك الصاروخي مع القطاع وترسل الأطباء النفسانيين إلى المستوطنات والملاجئ، وعادة ما يزيد عدد المصابين المستوطنين بهذا النوع من الإصابات بأضعاف كثيرة على عدد الفلسطينيين الذين يصابون بجراح في أجسامهم جراء الغارات الإسرائيلية، وهذه الظاهرة المميزة في عدد الإصابات في صفوف المستوطنين تولد مضاعفات تدفع عائلات كثيرة منهم إلى الهجرة العكسية فيغادرون الكيان إلى أوطانهم التي جيء بهم منها، على حين يقف الفلسطيني الجريح فوق دمار بيته صامداً هو وأبناؤه وعائلته متمسكاً باستعادة حقوقه.