تشير معظم المؤشرات، إلى أن الرئيس بشار الأسد سيحضر القمة العربية المقررة في التاسع عشر من شهر أيار الجاري في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، بعد انقطاع في العلاقات بين العرب ودمشق لاثنتي عشرة سنة، الأمر الذي يترك انطباعاً بأن بريق الحضور السوري سيخطف كل أضواء القمة، ما يجعل من هذه القمة بالإضافة لكونها القمة العربية وقمة جدة نسبة إلى المؤتمرين فيها – الرؤساء العرب- ومكان انعقادها، قمة سوريّة نسبة إلى الحاضر الأهم الأبرز فيها، سورية.
تتعاطى دمشق بإيجابية كبرى مع عودة العرب إليها، من منطلق أن دمشق لا تنظر إلى الوراء، بل تتطلع باستمرار إلى الأمام، وتبدي استعداداً كبيراً للانخراط بفعالية في كل ما من شأنه خدمة العمل العربي المشترك، وخدمة القضايا العربية المشتركة، وهي مبادئ تنسجم مع ميثاق الجامعة العربية ومع الأهداف التي أنشئت من أجلها، ومن ثم على العرب الذين ابتعدوا عن تلك المبادئ طوال السنوات الماضية، أن يتلقفوها مجدداً وأن يتعاطوا مع دمشق بروح الأخوة انطلاقاً من دورها المركزي التاريخي في خدمة القضايا العربية المركزية والعمل العربي المشترك، هذا الدور الذي تعلنه دمشق دائماً وكما أعلن الرئيس بشار الأسد في كلماته خلال القمم العربية السابقة للحرب على سورية، استعداد دمشق للقيام بدورها على أكمل وجه في خدمة العمل العربي المشترك، وأكد طوال سنوات الحرب تمسّك دمشق بموقفها العروبي الصريح والواضح، فإنه من المتوقع أن يجدد الرئيس الأسد التأكيد على ثبات دمشق على مواقفها وتمسكها بقيمها ومبادئها واستعدادها للعمل العربي المشترك.
إن تلقّف العرب لرسائل دمشق، لا ينتظر السوريون منه هز الرأس والسكوت، بل المضي قدماً في تحويل اندفاعة العرب لاستعادة العلاقة مع دمشق إلى سلوك عملي، ولذلك فإن أولى تلك الخطوات التي يأمل السوريون أن يلمسوها، هي في ورقة خاصة بسورية تخرج عن القمة، تؤكد على دعم وحدة وسيادة واستقلال سورية، وعلى خطوات ملموسة من العرب بما يدعم ذلك، على أن يبدأ العمل بموجب هذه الورقة على محورين أساسيين:
الأول: تمكين سورية اقتصادياً، ويكون ذلك من خلال إعادة تفعيل خط الغاز العربي وخط الكهرباء العربي، ودعم الليرة السورية للبدء باستعادة قيمتها، وتحقيق استقرار في سوق النقد السوري، والإعلان عن مشاريع إعادة إعمار، خاصة كمرحلة أولى بإعادة اللاجئين السوريين.
الثاني: وضع خطة مجدولة زمنياً لدعم بسط سيطرة المؤسسات الرسمية السورية على كامل الأرض السورية، وهذا يقتضي وقف دعم التنظيمات المسلحة التي عملت طوال سنوات الحرب بالمال والسلاح العربي، والضغط العربي على القوى الكردية للتخلي عن أحلامها الانفصالية، وإعادة الانخراط في الدولة والمجتمع السوري، خصوصاً أن أنباء تم تناقلها عن عمل إماراتي على هذا الاتجاه، وأن متزعم «قوات سورية الديمقراطية – قسد» قد زار أبو ظبي لهذا الخصوص.
تمثل الخطوتان السابقتان، أساساً في العمل العربي المشترك الذي يجب أن يبدأه العرب نحو سورية من منطلقين، الأول: تصحيح للخطأ الذي وقع فيه العرب مع دمشق منذ العام 2011 وحتى الوقت الراهن، والثاني: من مبدأ الأخوة والمصلحة والالتزام بحل القضايا العربية المتأزمة، والتي يعد الملف السوري أهمها في المرحلة الراهنة.
بانتظار قمة جدة وما سيخرج عنها، يترقب السوريون الذين دافعوا عن بلدهم وقاوموا القتل والدمار والحصار والعقوبات، ينتظرون موقفاً عربياً ينهي معاناتهم الطويلة، ويزيد ألق حضور سورية لهذه القمة ألقاً.