من دفتر الوطن

البيضة والحجر

| عصام داري

شاهدت فيلم «البيضة والحجر» للفنان البارع أحمد زكي أكثر من مرة، وفي كل مرة أكتشف فيه شيئاً جديداً.

لن ألخص قصة الفيلم، وخاصة أنني أعتقد أن معظم الناس شاهدوه، لكن بإيجاز شديد أقول: إن الفيلم يروي قصة أستاذ فلسفة تحول بالمصادفة البحتة إلى مشعوذ وأفاق ومنجم بسبب التقارير الكيدية من زملائه لأنه يعارض ظاهرة الدروس الخصوصية.

كم عانى الكثيرون منّا من التقارير الكيدية على مستويات مختلفة وصلت إلى حد القضاء على مستقبل أشخاص كل ذنبهم أنهم ناجحون ومتفوقون وهو ما أزعج، الحساد وأصحاب النفوس المريضة الذين يضعون العصي في العجلات.

المؤكد أن هناك من يكره النجاح، ويحقد على الناجحين في الدراسة والعمل وحتى في الإبداع الفكري والثقافي والفني، وهذا يجعل الحاقدين يبتكرون أساليب شيطانية لكسر«مجاذيف» أي ناجح أو متفوق.

الغريب أن هؤلاء الناس عنهم ذكاء خارق في ابتكار أساليب «معاقبة!» الناجحين، ولو فكروا لحظة واحدة لكانوا وظفوا ذكاءهم فيما ينفعهم ويجعلهم في خندق الناجحين.

قد نجد أستاذاً ناجحاً في العلوم أو الآداب مثلاً يوفد إلى بلد عربي ويحقق هناك نجاحاً باهراً، كأن يضع المناهج العلمية التي تدرس للتلاميذ والطلبة، وعند عودته يتم تجميده في «الفريزر» للأسباب نفسها التي ذكرتها آنفاً، ما اضطره العمل كسائق أجرة، وهذه قصة حقيقية وليست من بنات الأفكار!

أو قد نجد مديراً نشيطاً يحاول إعادة الإقلاع بمؤسسة فاشلة أو شبه فاشلة، فيصطدم «بعشاق» الفشل و«أبطال» إجهاض الطموحات والأحلام، ويحارب بأساليب التقارير الكيدية وربما أكثر من ذلك، فيموت الحلم.

عندما أحقق نجاحاً شخصياً في هذا المجال أو ذاك، فأنا أحققه بالدرجة الأولى لبلدي، وهو بلا شك إنجاز شخصي، و.. ما الذي يمنع الأشخاص من تحقيق إنجازات شخصية إذا كانت تلك الإنجازات تصب في نهاية المطاف في مصلحة الوطن؟

وما دام عنوان زاويتي هو«البيضة والحجر» فلماذا لا نسأل أنفسنا وغيرنا أيضاً عن سر انتشار «مهنة» التنجيم وقراءة الطالع التي صارت دارجة إلى الحد الذي يتبناها الإعلام الرسمي وتصبح مادة ثابتة في الصحافة والإذاعة والتلفزيون!.

هذه الظاهرة مجرد ضحك على الذقون والتدجيل العلني المباح! لكنها من ناحية أخرى دليل على إفلاس إعلامي ظاهره إضافة مادة خفيفة إلى البرامج وحقيقته هو ملء الفراغ في ظل إخفاق بعض المعدين والصحفيين في ابتكار برامج أو زوايا وتحقيقات شائقة ترضي الجمهور ويفيد منها الوطن والمواطن.

ألا يصدق إعلامنا حتى اليوم مقولة: (كذب المنجمون ولو صدفوا)؟ وإلى متى يظل «رزق الهبل على المجانين» وتتوسع ظاهرة التنجيم وقراءة الكف والودع وضرب الرمل ويستمر إعلامنا الرسمي في فتح الأبواب أمام ضحالة الفكر والمحتوى الذي وصلنا إليه؟

لنسأل قرّاء الكف و.. الراسخين في علم «ماذا تقول الأبراج»: ما الشهادات العلمية التي حصلتم عليها في هذا النوع من «الإعلام» ومن أي الجامعات تخرجتم؟ ومن فتح على بصيرتكم وجعلكم تقرؤون الأفكار فور معرفتكم برقم هوية السائل؟

على كل: إذا استمرت الأمور هكذا على الغارب فإنني سأعتزل الكتابة وألقي بأوراقي وأقلامي في أول سلة مهملات وأخوض في «مهنة» تدرُّ ذهباً وفضة، وأؤكد لكم أنني خير من يلعب بالبيضة والحجر!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن