هل أصابت الجمارك في تعميمها الأخير بضبط المهربات أينما وجدت؟ … حزوري: من حق الدولة مكافحة التهريب لكن ليس بالأسلوب والممارسات الحالية
| إيمى غسان
بعد قرار الجمارك الأخير الذي أكد اتخاذ كل الإجراءات اللازمة وفق ما نص عليه القانون والتعليمات الناظمة لجهة رصد وضبط البضائع المهربة أينما وجدت والتنسيق والمتابعة مع رؤساء الضابطات ومع الجهات الأخرى ذات الصلة، تساءل البعض عن سبب إصداره بعد فترة من إصدار التعميم السابق الذي حد من دور الجمارك وعملها داخل المدن والمحال التجارية وعن سبب إصداره، خاصة بعد أن تم إغلاق عدد من المحال، وعدد آخر أغلق مستبقاً الأمور.
دكتور الاقتصاد في جامعة حلب حسن حزوري قال لـ«الوطن»: بداية، المهمة الأساسية لإدارة الجمارك في أي بلد هي حماية الاقتصاد الوطني من خلال مراقبة دخول وخروج البضائع والسلع عبر الحدود، ومنع الجريمة الاقتصادية، وبالتالي تحصيل الرسوم الجمركية المفروضة على السلع المستوردة وفق الأنظمة والقوانين، ومنع التهريب عبر الحدود في الاتجاهين من الخارج للداخل ومن الداخل إلى الخارج.
أما فيما يخص التعميم الأخير، فهو اعتراف رسمي بالتقصير وعدم القيام بالواجب بالشكل الأمثل من العناصر الجمركية على الأرض، وهو ما تسبب بزيادة كميات التهريب، فلماذا نحمل البائع الصغير والمواطن مسؤولية ترويج التهريب ولا نحاسب المسؤول المقصر؟
وأكد حزوري أن سلطة الجمارك في كل دول العالم تكون على الحدود والمعابر الحدودية، فلماذا في سورية تدخل كل مكان وخاصة مراكز المدن بحجة مكافحة التهريب؟ وعوضاً عن محاسبة الضابطة الجمركية، ومساءلتها عن كيفية وصول البضائع للأسواق وبكميات كبيرة وبوساطة المهربين المحترفين، يحاسب المروج أو البائع الأخير، وتصادر بضاعته مع تحميله رسوماً جمركية وغرامات كبيرة قد لا تتناسب وحجم الجرم المرتكب من قبله، وقد تؤدي إلى إغلاق الفعالية بشكل نهائي.
وبين حزوري أنه في الوضع السوري الراهن ونتيجة الحرب وتعدد المعابر الحدودية الرسمية وغير الرسمية، انتشرت عمليات تهريب البضائع والمواد من الخارج وبيعها في الأسواق السورية بشكل كبير، وعبر مهربين محترفين أشبه ما يمكن تسميتهم بمافيات التهريب، ولاشك بأن هذا تهريب مرهق بلا حدود لليرة السورية من جانب وللصناعة السورية والمنتج السوري من جانب آخر، وللاقتصاد الوطني بشكل عام، ومؤثر بشكل كبير في سعر الصرف وفي القوة الشرائية لليرة السورية ويستنزف القطع الأجنبي بشكل يومي، ومن حق الدولة عبر كل السلطات مكافحته ولاسيما عبر السلطات الجمركية، لكن ليس بالطريقة وبالممارسات التي تتم على أرض الواقع من الضابطة الجمركية أو ما يسمى المكتب السري.
وأكد حزوري أن السلطات الجمركية على أرض الواقع تقوم بمحاسبة الصغار ومنافذ البيع النهائية ضمن المدن، وتلجأ إلى مصادرة بضائع مستوردة بشكل قانوني ونظامي في حالات عديدة، بحجة أن البيان الجمركي قديم، حتى لو كانت البضائع لا تاريخ صلاحية لها، كالمعدات والخردوات وهذا ما لاحظنا ممارسته وحصوله في مدينة حلب أثناء مداهمة بعض المحال والمستودعات، وفي حال كانت كل البيانات الجمركية صحيحة والبضاعة مستوردة بشكل نظامي ومعروضة للبيع، يقوم بعض ضعاف النفوس بطلب «إكرامية» حتى يتم الامتناع عن تسجيل مخالفة جمركية.
الصناعي عاطف طيفور كان له رأي آخر، وبدأ حديثه لـ«الوطن» بأن المهربات لا تقاس بكيس (شيبس) أو علبة شوكولا، بل أكبر بكثير مثل مستودعات أقمشة أو خيوط أو غيرها من المواد التي تضر بالصناعة الوطنية.
وعن حجة التجار التي تقول إنهم يلجؤون للتهريب بسبب منع الاستيراد، أكد طيفور أن منع الاستيراد لأي مادة يتم بعد دراسة لاكتفاء السوق ويتم المنع على هذا الأساس، وهو ما يسمى (ترشيداً مؤقتاً حسب حاجة السوق)، نافياً ما يحكى كثيراً حول احتكار الاستيراد، مؤكداً أن إجازات الاستيراد تعطى بسهولة في حال قام المستورد بإبراز وثائق تؤكد حاجته للمادة في عملية الإنتاج والتصنيع وعدم وجودها في السوق ولا إمكانية لتصنيعها محلياً، أي إن قرار ضبط المهربات يساعد في ضبط سعر الصرف، وإذا لم يؤد إلى انخفاضه فعلى الأقل تثبيته واستقراره.
وعن التهريب ومبرر وجوده الذي يروج له البعض، قال طيفور: «الفئة المقتدرة ترى أن من حقها أن تحصل على أي مادة أجنبية ما دامت قادرة على دفع سعرها وإن كانت مواد كمالية للرفاهية، لكن في الواقع، أولاً يمكن استبدال هذه المواد بمنتج محلي أو الاستغناء عنها، كما أن السماح بدخول هذه المواد يضر بعموم الاقتصاد السوري وخاصة الفئة المتوسطة والفقيرة، إذ إن 90 بالمئة من الشعب متضرر من التهريب، ولا مبرر للتهريب سوى الربح الكبير للمهرب والتاجر.